شارك المقالة:

كان رضى الله عنه يوالى الاتصال بالمصريين والمسلمين المقيمين ببلاد أوربا ، يذكرهم بقضيتهم ، ويحثهم على أن يكونوا قدوة تجذب أهل الغرب إلى الإسلام . كما كان أسلافهم ، ومن رسالة له رداَ على ما بعث به إليه الأستاذ محمد سليمان من سويسرا ، حيث كونوا اتحاداَ يضم المصريين المغتريين فى أنحاء أوربا يقول له :

 << السلام عليك وعلى جميع أولادى عندكم، ممن جذبهم حب الخير للمجتمع الإسلامى الكبير ليكونوا عمالاَ مخلصين لله ولرسوله ، وللجامعة الإسلامية ، فأقبلوا بكليتهم إلى تحصيل الوسائل الفعالة للقيام بالأمة وسد الفراغ الذى مكن غيرنا منها . أكتب إليكم يا أولادى وأنا بين درسى ومحرابى ، أتمثلكم فأبتهل إلى الله تعالى أن يجعلكم أنجماَ مشرقة تضئ للمجتمع ، وأن يحفظكم من المعصية وأسبابها .. تعلمون يا أولادنا أن الجيل الماضى من سلفكم الصالح ، وينتظرون إليكم بعيون ملؤها الأمل ، ويلحظونكم بقلوب ملؤها الحنان والرجاء ، وينتظرون منكم باكورة تلك النهضة المباركة ، حتى تعودوا يعتدون بها ودعائم يشيدون عليها ..

 أولادى ، تعلمون أن القلوب معكم ، والعقول تفكر فيكم ، وأن نفساَ من بعدكم عنا عزيز علينا ، لولا الآمال التى نعلقها بالله تعالى ، وتلك الحقيقة تجعل أنفاسكم أنفس من النفائس . فليقبل كل واحد منكم على ما تميل إليه نفسه من العلوم والفنون والصناعات . ليكون نابغة فيها ، وحسنوا نواياكم فى القصد . واعلموا يا أولادى أن تقوى الله أساس كل رقى . وكل خير فى الدنيا والآخرة ، وإنى أعلم أن فتن البلاد الأوربية بالنسبة للأمور المباحة فيها مما حرمه الله ، ربما يجعل الطالب ينسى ما عليه لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولوالديه ولأمته ، فليتذكر كل طالب منكم أن الله تعالى معه ، وأنه غيور سبحانه . وليحافظ كل المحافظة ، أولاَ بالذات على القيام بفرائض الله تعالى وبسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى الغرض الذى هاجر من أجله ، وثانياَ على أن يكون مثالاَ حسناَ يمثل للقوم الذين هو بينهم ، جمال الإسلام عقيدة وعبادة وأخلاقاَ ومعاملة ، كما كان يفعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من السلف الصالح ، فإن القوم يرسمون صوركم على قلوبهم ويحكمون على الإسلام بما يتصورونه عليكم .

 أولادى ، أنتم غرباء ، ولكن الأخلاق الإسلامية جعلت المسلم قريباَ حيث كان ، مألوفاَ حيث حل >>.

 كان الكاتب الكبير حفنى ناصف من أقطاب الوطنيين ، فأرضع أولاده لبانها منذ طفولتهم حتى إذا شبوا اشتركوا فى ثورة عام 1919 اشتراك تضحية وفداء ، وكان حفنى ناصف يحرص على سماع تفسير أسرار القرآن من الإمام أبى العزائم ، وقد توثقت بينهما صلة روحية وزار الإمام حفنى ناصف فى داره وتنبأ لابنته الطفلة (( ملك )) بمستقبل باهر ، فكانت شابة من كبريات أدباء مصر طار صيتها إلى الآفاق ..

 وفى أعقاب ثورة 1919 شخص أبناء حفنى ناصف ، عصام الدين ومجد الدين ، إلى أوربا للدراسة . وهناك أسسا جمعية الطلبة المصريين فى أوربا ، وكان عصام الدين سكرتيراَ لها فى برلين ، فى حين كان مجد الدين سكرتيراَ للجمعية فى باريس ، وقامت الجمعية بنشاط اجتماعى وسياسى فى خدمة القضية العربية المصرية . ولكنها اتجهت إلى اليسار الأوربى مبهورة بالمبادئ الاشتراكية المتطرفة ، واعتبرت هذا اليسار هو السند الوحيد لحركة التحرير الوطنى فى مصر ، وذلك بعد التأكد من خداع مبادئ ويلسون .ولما كان سعد زغلول مفاوضاَ مصرياَ معتدلاَ ، فإنه من الطبيعى أن تتصادم مبادئ الطلبة اليسارية مع مبادئ الوفد ، وقد تزعم عصام الدين وأخوه ، حملة ضد سعد ومبدأ المفاوضة ، وعقدوا المؤتمرات الطلابية واتهموا الوفد فى باريس باتباع سياسة التهاون والتردد ، وقابل الوفد هذا الإجراء بمنع مساعداته المادية ، فاتجهوا لمصر وانهالت عليهم المساعدات وكونوا فرعاَ لهم بالقاهرة ، مما أزعج سعد زغلول .

 واتصل عصام الدين بالإمام أبى العزائم ، فى رسالة مطولة أشار فيها إلى موضوع بالغ الأهمية هو : (( العلاقة بين الاشتراكية والإسلام )) يختمها بقوله : (( وعلى ذلك فليس هناك أى تنافر بين الاشتراكية والإسلام ، وإذن فقد كذب الذين يستندون إلى الآية الكريمة ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) [1] لتثبيط همم الطبقة العاملة بحقوقها وتبرير حالة الذين يرثون المال ، فيأخذون فى إنفاقه على العاهرات وبائعى الخمور متخذين من تركيز الثروة فى أيديهم قوة ووسيلة لإتلاف أخلاق الوسط الذى يعيشون فيه .. )) .

 ويرد الإمام أبو العزائم على الثائر الشاب ، الذى اختلط عليه أمر الإسلام كدين وعقيدة ، بالاشتراكية كمذهب وفلسفة ، فيقول فى رسالته التى تقع فى اثنتى عشرة صفحة :

 << ليست الاشتراكية هى الإسلام ، وليس الإسلام هو الاشتراكية . الاشتراكية . الاشتراكية فلسفة ومذهب إنسانى ، من وضع الإنسان الذى لا يبرأ من الخطأ والغرض والطمع ، مهما حاول أن يكون قريباَ من الصواب ، فتلك طبيعته .

 أما الإسلام فهو دين سماوى ونظام إلهى ، ووضع ربانى ، فهو أبقى على الدهر وأقرب للعدل ، لأنه يأمر بالمساواة وينهى عن البغى والعدوان ، لأنه يقوم على التوحيد ، ووحدة الألوهية تمحو الشرك ، وأن الشرك والطغيان متلازمان . وليس فى رسالة الإسلام أدنى عيب ، إنما العيب فى المسلمين أنفيسهم . ومازال الإسلام على حق بتعاليمه محفوظاَ فى كتاب الله وسنة نبيه ، وهو حاكم على المسلمين غير محكوم عليه بأعمالهم . الإسلام يا ولدى قوة الإيمان التى هى بمثابة الوقود ، وعمل يحرك الآلات نحو غايتها السامية المرسومة لها .

  وحقيقة الأوضاع التى تراها الآن فى المجتمع الإسلامى الكبير أن الاستعمار فى شكله الحديث عمل فى أولى مراحله ، على تعميق هوة القديم الموجود أمامه من الشعوبية والعصبية فى المجتمعات الإسلامية المتفرقة ، حيث وجد مجتمعاَ إسلامياَ ضعيفاَ ، وعرف الاستعمار أن سر ضعفه يكمن فى حزبيته وشعوبيته . فلم يكتف بالقديم منها ، وإنما أثار نزعات جديدة بين الأمم الإسلامية ، لتتسع الهوة الفاصلة بينهم ، وتزيد شقة التباعد ، فتكون نتيجتها التحاسد والأحقاد ، فيحكم بينهم المستعمر بغير ما أنزل الله ، ومن أجل هذا المخطط الشيطانى ، حمل حملة شديدة على القيم الإسلامية ، وهجم على الدين الإسلامى هجوماَ عنيفاَ حتى يضعف الوازع الدينى لدى الناشئة ، ويشكك الأمة فى دينها . ثم كانت مرحلته الثانية بالإبقاء على المسلمين وقوداَ بشرياَ واستغلالاَ اقتصادياَ ، واستعماراَ فكرياَ ، يربطهم بدائرة التبعية الفكرية الغربية ، وهذه هى مرحلة توطين الاتجاه الفكرى العلمانى الغربى ، الذى يقضى بفصل الدين عن الدولة ، وهو ما طبقته أوربا الرأسمالية . وبدلاَ من أن يعود المسلمون إلى دينهم الذى يضمن لهم العزة والمجد والرفعة ويدرسون سر تأخرهم وجمودهم ، راح فريق منهم ومن خيرة شبابهم ، يأخون بالمذهب الماركسى ، وهو المذهب الذى ينكر الأديان صراحة ، ولايقل عن الاتجاه العلمانى عنفاَ فى محاربته للقيم الإسلامية ..

  فمتى يا ولدى يفيق المسلمون ، فينظروا إلى ما داسوه بأقدامهم من جواهر التعاليم ، متطلعين إلى صخور ورمال لا تؤدى إلى شئ ولم تخلق لهم ، لأن الحق تعالى ما اختار المسلمين عبثاَ ، وإنما اختارهم لرسالة الإنسانية جمعاء فوضع لهم النظام الذى ينفعهم وينفعها . إننى لم أفقد الأمل فيكم بعد ، فانهضوا يا بنى لرفعة الأمة على دعائم ثابتة وقوية من الأخلاق الفاضلة الإسلامية . والله معكم .... >>.


[1] - سورة الزخرف آية 32 

افتتاح مسجد الإمام الحسين عليه السلام وإقامة الشعائر فى شهر رمضان المبارك

أكدت وزارة الأوقاف على افتتاح مسجد سيدنا أبى عبد الله الحسين عليه السلام فى شهر رمضان المبارك وإقامة الشعائر فيه .