الاستعاذة

14/06/2021
شارك المقالة:

(أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ)

بالتحقق بمعاني الاستعاذة كمال التوحيد:

   الاستعاذة معناها لغة: الالتجاء إلى الله تعالى، والاستجارة به عند الاضطرار والعجز عن دفع ما لا قبل للعبد به؛ وعن نيل ما لابد له منه.

   وهي حقيقة طهرة النفس من شوب الشرك؛ لأن الإنسان مهما نسى حقيقته التي هي العدم- أو بدءه - الذي هو الماء المهين الخارج من مجرى البول مرتين - وغرته نعمة الله تعالى عليه - من العافية والجاه والمال والأولاد ونفوذ الكلمة وما حصله من الفنون والصناعات - أصابته البلايا من حيث لا يحتسب، وتفرق قلبه في أودية الهموم، وحُرِم التنعم بما آتاه الله؛ فإن دام على ذلك وفارق الحياة الدنيا مات على شعبة من شعب الكفر أو النفاق؛ كما قال سبحانه: )وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا)"الجاثية:34".

   فإذا سبقت للمسلم الحسنى تحقق عجزه بنفسه عن دفع الشر وجلب الخير، فاستعاذ بالله، متحققًا بأنه سبحانه هو الذي يمنح الخير بقدرته لمن يشاء، ويعطى التوفيق بحكمته، ويحفظ العبد برحمته من الوقوع في المعاصي والمخالفات والبليات، فقال: عوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم معتقدًا أن الله تعالى يسمع دعاءه، ويعلم ما في نفسه من الإخلاص، ثم إذا قال: (من الشيطان الرجيم) يعنى: من كل ضار مفسد، أو عدو قاهر، أو من شياطين الإنس، أو من شياطين الجن، الذين يوسوسون في الصدور؛ أسرع الله إليه بخفيِّ لطفه فأعاذه وأجاره، ومكّن له في الأرض، وبدّله أمنًا بعد الخوف، وهداه صراطه المستقيم، لأن الاستعاذة كمال التجرد من الحول والقوة، والتبرئة من الثقة بغير الله، وبالتحقق بتلك المعاني كمال التوحيد.

   ومن استعاذ بالله عند كل عمل من أعماله التي أجَلُّها قراءة القرآن - مستحضرًا تلك المعاني - أعاذه الله حقا وتولاه ووالاه، قال تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) "النحل:98"؛  لأنه تحقق بما يحبه الله، ومن لم يستعذ بالله فهو عبد مغرور، وكِلَه الله إلى نفسه، فتخبط في النوائب، وتلظى في سعير الهموم، وسلط الله عليه نفسه وماله وعلمه وأولاده، فكانوا عذابًا له في الدنيا، (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى)"طه:127".

   هذا مما بيّنه الإمام أبو العزائم رضى الله عنه  في تفسيره:(أسرار القرآن).

ترك الاستعاذة من أسباب معاناة الأمة الآن:

   ويرى الإمام أن من أسباب ما تعاني منه الأمة الآن أن أهل هذا الزمان قد تركوا الاستعاذة بالله - بالمعنى التي سبق بيانه - فضرب الله بعضهم ببعض، ومكن منهم من كانوا أذلاء، والواجب علينا أن نتدارك الأمر بالالتجاء إلى الله، والعمل بوصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

محبة أهل البيت النبوي تعين على التحصن من الشيطان:

   ومما يعين على الاستقامة والتحصن من الشيطان الرجيم محبة أهل البيت النبوي الطيبين الطاهرين ومودتهم، فالقرطبي في تفسيره للاستعاذة يقول: "روى الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عند الصفا وهو مقبل على شخص في صورة الفيل وهو يلعنه، قلت: ومن هذا الذي تلعنه يا رسول الله؟ قال: (هذا الشيطان الرجيم) فقلت: يا عدو الله؛ والله لأقتلنك ولأريحن الأمة منك، قال: ما هذا جزائي منك، قلت: وما جزاؤك مني يا عدو الله؟ قال: والله ما أبغضك أحد إلا شَرِكتُ أباه في رَحِم أمّه".

   فالمسلمون جميعا مدعوون إلى التمسك بمحبة أهل البيت النبوي الطيبين الطاهرين ومودتهم، والتحرز ممن يبغضونهم، فإن بغضهم من علامات موالاة الشيطان، ومحبتهم ومودتهم من علامات موالاة الرحمن، كما أنه لا يخفى أن ترجمة المحبة: حسن الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فالله تعالى يقول: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) "آل عمران:31".

لماذا الطريقة العزمية (21)

دستور الأدب العام لآل العزائم : السالك فى طريق آل العزائم ، آخذ بالعزيمة ما استطاع ، فإن الرخصة عند مقتضاها تكون عزيمة ، كالتيمم لصلاة ، وقصر الصلاة للمسافر ، وكعمل ما تبيحه الضرورات شرعا . والسالك فى طريق آل العزائم يجب أن يخرج من عوائده ومألوفاته التى لا تدعو إليها الضرورة الإنسانية ، من الأعمال التى ينوى بها رفع قدره بين الناس ، بنظره إليهم نظرا يحجبه عن الحق ، وبالتزين بالرياش والزخارف ، والحرص على شهي الطعام والشراب إلا ما دعت إليه الضرورة ، لحفظ الصحة أو إعادة العافية ، وترك أهل الغفلة ممن شربوا خمرة الدنيا والحظ والهوى فأسكرتهم ، وبترك الجدل ومماراة الناس ومولاة غير الأتقياء ، ولكن يدارى الناس ما استطاع ...