شارك المقالة:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ومولانا محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.

   مشاكل حياتنا تحتاج منا إلى معالجة بالحكمة، وأن يكون عندنا العزيمة والتصميم على المعالجة في صغير الأمر وكبيره، حتى لا تتراكم المشاكل وتتفاقم، ومن أمثلة ذلك مشكلة الغلاء. فمنذ حوالى عشرين سنة كان الكيلو جرام من السكر يباع فى مصر بحوالي جنيه واحد، وكانت الدولة تستورد الكميات التي نحتاج إلى استيرادها من السكر بخمسة وثلاثين قرشا للكيلو جرام كما أفادنا بذلك وقتها وكيل وزارة التموين، يعني لم يكن هناك دعم لسعر السكر، بل كانت هناك أرباح تعود على الدولة.

   وازدادت مرتبات الناس، وازدادت الأسعار إلى أضعاف أضعافها لأسباب متعددة، ونحن لا نحاول ضبط هذا الأمر كما حاول غيرنا من قبل، ونجحت محاولاتهم.   

   هناك تجربة حدثت فى حي المعادى في القاهرة منذ زمن، كان الكيلو جرام من اللحوم يباع في المعادي بمبلغ عشرة جنيهات، واكتشفت واحدة من نساء المعادي أن ثمن الكيلو جرام من اللحوم في حي السيدة زينب بالقاهرة هو أربعة جنيهات فقط، فقامت بعمل منشور وتوزيعه على الناس بالمعادي تخبرهم فيه وتطالبهم بمقاطعة شراء اللحوم من المعادي وشرائها من حي السيدة زينب، واستجاب الناس لذلك، وكانت النتيجة أن الجزارين بالمعادي اضطروا إلى تخفيض سعر كيلو اللحم إلى ثلاثة جنيهات ونصف جنيها فقط، ومع ذلك استمرت المقاطعة لتأديب الجزارين بالمعادي وتلقينهم درسا، كان ذلك نتيجة لجهد امرأة وإرادة وعزيمة من الناس الذين استجابوا للفكرة التي طرحتها عليهم.

   ومن المعروف أن أسعار السلع تتأثر بالعرض والطلب؛ وكلما قلّ الطلب زاد العروض ورخصت الأسعار، مسألة بسيطة، يعلمها طلبة العلم في معاهد وكليات التجارة، بل يعلمها عموم الناس بفطرتهم.

   ونحن الآن - وللأسف الشديد - ليس عندنا إرادة مثل إرادة الناس وقتها.

   وأضرب لذلك مثلا: حديد عز، عندما تم بيعه إلى إسرائيل بسعر أربعة آلاف جنيها للطن، وكان يباع في السوق المحلية بحوالي ثلاثة آلاف جنيها وقتها، وبعد ذلك تم رفع ثمنه محليا إلي أربعة آلاف جنيها ليباع للمصريين بنفس الثمن الذي يباع به لليهود، فاستمر المصريون في شرائه، وزاد الثمن إلى خمسة آلاف فظل الناس هنا يشترونه، ثم إلى ستة وسبعة وثمانية آلاف، وظل الناس يشترون، ولو ارتفع سعره أكثر وأكثر لظل الناس يشترون ويشترون.

   لو توفرت عندنا الإرادة أن لا نشتري هذا الحديد عندما غلا ثمنه لأول مرة، وجاهدنا أنفسنا أن لا نبنى لمدة سنة أو سنتين؛ لرخص سعر حديد عز ليجد له مشترين ولا يتعرض للخسارة، وقِسْ على ذلك اللحوم التي يسهل مقاطعتها لوجود العديد من البدائل لها كالطيور والأسماك والبقوليات وغير ذلك، وهكذا السلع والمنتجات الأخرى؛ لا يجوز أن نسمح بارتفاع أسعارها عن الحدود المعقولة.

   لقد زرت الصين وتعدادها أكثر من مليار إنسان يأكلون ويعيشون، ونحن حوالي ثمانون مليونا وقد تعسرت أمامنا سبل العيش.

   لقد قامت الثورة الصينية سنة 1949م، وقامت الثورة المصرية سنة 1952م، وكان عند الصينيين مشكلة كبيرة جدا وهى إدمان الأفيون، فاجتهدوا في مقاومة الإدمان إلى أن تخلصوا من تلك المشكلة، وتحولت الصين من دولة شيوعية إلى دولة رأسمالية، وتقدمت بالشكل الذي نراه في خطوات سريعة منتظمة، ونحن على حالنا الذي نحن عليه، بل ازداد الأمر عندنا سوءًا.

   وسر التقدم في الصين أن الأمة الصينية كانت حريصة على المشاركة الفعالة في بناء نفسها، وكان الشعب الصيني يدرك أن الزعماء بمفردهم وبدون تعاون شعوبهم معهم لا يمكن لهم صنع تقدم أو الوصول إلى رقيّ.

   هذا الدرس يجب علينا أن نستوعبه، الشعوب الواعية هي القادرة في الحقيقة على أخذ الدروس من ماضيها، والعمل على تحسين حاضرها، والإعداد لمستقبلها، فيجب أن يكون لنا دور في القضاء على جشع الكثير من التجار، وأن نلقنهم دروسا عملية في كيفية إدارة تجاراتهم في مجتمعاتنا على أساس أنه لا ضرر ولا ضرار.

   منذ حوالي ثلاث سنوات ذهبت لزيارة أحد إخواننا فى أمريكا تلبية لدعوته، فوجدته يركب سيارة مرسيدس آخر موديل، فسألته عن ثمنها فأخبرني أنه اشتراها بالتقسيط بمبلغ ستين ألف دولار، وأن سعرها نقدا حوالى خمسين ألفًا، فيكون أصل ثمنها حوالي أربعين ألف دولار. 

    وبعد عودتي إلى مصر ذهبت إلى شركة مرسيدس، وقمت بتقدير ثمن تلك السيارة في مصر فيما بيني وبين نفسي وقلت: أصل ثمنها 40000 دولار×6= 240000 جنيهاً مصريا  -سعر الدولار فى ذلك الوقت- بالإضافة إلى 240000 جنيها جمارك، وقلت إن المكسب سيكون حوالي 240000 جنيها، أى أنها تساوى 720000 جنيها، لكنني فوجئت بأن ثمنها في مصر مليون و 200000 جنيها!، وطبعا لم أشتر هذه السيارة، لكن الكثير من الناس هنا يشترونها، وبذلك نشجع هؤلاء التجار الجشعين على زيادة جشعهم.

   إن علينا أن نتفهم ما يجب علينا ونجاهد أنفسنا للعمل بمقتضاه، ولا يجوز لنا أن نسمح أن يستغلنا أحد.  فلو قاطعنا سلعة واحدة من السلع التي يستغلنا أصحابها لخاف غيرهم من التجار أن تشملهم تلك المقاطعة، فالتزموا بأسعار معقولة.

   خلاصة الأمر أنني أرجو أن تكون لنا إرادة، فلندرِّبْ أنفسَنا على ذلك، ولو بالحد الأدني الذي ذكرناه، لتنمو إرادتنا وتشمل كل مناحي حياتنا، وبالله التوفيق

                                 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.   

    

شيخ الطريقة العزمية

السيد محمد علاء الدين ماضى أبو العزائم