لماذا الطريقة العزمية (1)

20/06/2021
شارك المقالة:

 

لقد كانت الأمة الإسلامية تتصف بشىء من التماسك بسبب تواجد الخلافة الإسلامية باختلاف أشكالها ومبادئها، حتى نجح الأعداء فى إلغاء تلك الخلافة فى القرن العشرين الميلادى على يد كمال أتاتورك فى تركيا، وذلك حتى تتفكك الأمة، ويقطع الجسد الإسلامى أشلاء فتضعف قوتها، ويزول سلطانها، وفى تلك الفترة عاش الإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم، الذى كان له دوره البارز فى توعية الأمة، وتربية الرجال، وتدعيم الروح الوطنية.

هجرة أجداد الإمام أبو العزائم إلى مصر:

فى القرن السادس الهجرى زالت دولة المرابطين بالمغرب، وحل مكانها دولة الموحدين الذين اعتنقوا مذهب المعتزلة، فاضطهدوا العلماء من أهل السنة، وحاربوا الفقهاء، وحرقوا كتبهم، وشردوهم، وعندئذ هاجر السيد ماضى – الجد الرابع للإمـام أبـو العزائم - إلى مصر فى مطلع القرن السابع الهجرى ، واستقر بقرية محلة أبو على مركز دسوق محافظة كفر الشيخ ، فقوبل بالحفاوة والتكريم، وقد كان أبناء السيد ماضى يشتغـلون بالتجـارة ، وعرف عنهم الجد والإستقامة وصلابة العود، الأمر الذى ازدادت بسببه مواردهم بين عام وعام، وكانوا فى أوقات فراغهم من التجارة ينشرون العلوم والمعارف بين أهالى هذه القرية.

عاشت أسرة الإمام التى كانت تتكون من والده السيد عبد الله المحجوب، الذى ينتهى نسبه الشريف إلى الإمام الحسين (عليه السلام)، وكان يعمل بتجارة المحاصيل متنقلاً بين محلة أبو على ومدينة رشيد على ساحل البحر المتوسط، ورغم كثرة انشغاله بالتجارة والعمل إلا أنه كان عالمًا ومحبًّا للعلماء، وله مكتبة كبيرة تحتوى على شتى العلوم والمعارف، وكان بيته يضم زاوية للصلاة ومجالس الذكر، ومحلاًّ للضيافة وقاعة كبيرة للدرس ولقاء العلماء والمتعلمين.

أما أمه فهى السيدة آمنة الملقبة بالمهدية، وكانت تتميز ببرها وعطفها على المساكين، وينتهى نسبها الشريف إلى سيـدنا الإمـام الحسن (عليه السلام)، وكان للإمام أخوة سبعة أشقاء ؛ ثلاثة من الذكور ، وأربع من الإناث، وقد اهتم بهم والـدهم غاية الاهتمام، وحـرص على تلقينهم علوم الفقه والأصول، والتفسير والحديث وسير الأئمة وتاريخ المسلمين.

مولده:

لقد جاء مولد الإمام أبو العزائم فى ليلة الاثنين السابع والعشرين من رجب سنة 1286هجرية الموافق 30 أكتوبر سنة 1869 ميلادية، بمسجد سيدى زغلول بمدينة رشيد، حينما ذهبت والدته بصحبة والده وأخته الكبرى لزيارة روضة ذلك الولى، وذلك فى ليلة الإسراء والمعراج، فولدته بجوار الضريح، واستهل الإمام أول أنفاسه فى بيت من بيوت الله.

نشأته:

نشأ الإمام فى محلة أبو على فاستأثر فـي طفولتـه بعناية خاصة من والده السيـد عبـد الله المحجوب الذى كان يلازمه فى مجالسه التى لا تخلو من الذكر والفكر، فنشـأ مـحبًّا للتشبه بأفاضل الرجال فى السلوك والزى، وكان نظيفًا فى بدنه، طاهرًا فى ثوبه، حتى أنه كان محبًّا لارتداء العمامة، كما كان يصحب شقيقه السيد أحمد وشقيقته السيدة زينب إلى مكتـب تحفيظ القرآن الكريم بالقرية وهو فى حداثة سنه ، كما اشتهر بالفطنة والذكاء وحسن التصرف وسرعة البديهة ، فلما بلغ ست سنين بدأ حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ محمد القفاص ، وأتمه ولما يتجاوز العاشرة ، كما حفظ في تلك الفترة المتون علي يد الشيخ عبد الرحمن عبد الغفار وهو من علماء الأزهـر الشريف، فحفظ كتاب "أقرب المسالك لمذهب مالك بن أنس" ، وقسم العبادات من "الموطأ"، ومن علم التوحيـد "متن السنوسيـة" ، ومن النحو "الأجرومية"  و"الألفية" ، ومن علم الحديث "المختصر" للإمام الزبيدي، ، كما درس علـوم التوحيـد مع الشيخ محمد القفاص، وكذلك درس الفقه مع الشيخ محمد الخطيب ، وكلا الشيخين من علماء الأزهـر الشريف، وتلقى كتاب "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي، وكتاب "قوت القلوب" لأبي طالب المكي، وكتاب "الشفاء" للقاضي عياض، و"سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)" لابن هشام، و"الطبقات الكبرى" لابن سعـد على يد والـده السيد عبد الله المحجوب وكذا الشيخ غانم الخشاب ، وكانت له ساعـات يقضيها وحـده بين الكتب في مكتبـة والـده.

امتاز الإمام أبو العزائم فى هذه الفترة بحبـه الشديد للعلم، وحب شيوخـه له وحرصهـم علي إمداده بالعلـوم والفهـوم المختلفة لما رأوا فيه من فطنـة ونجابـة وأهلية للعلـم والتعلم، مع اجتماعه بكثير من علماء الطبقات التابعيـن لمذهب السلف الصالح من الرجال الصادقين من خلال صحبة والده عند زيارتهم أو زيارتهـم لوالـده.

التحاقه بالأزهر الشريف:

وفى السنـة السادسـة عشرة من عمره توجه الإمام إلى القاهرة لمنزل شقيقه السيد أحمد ، فتعرف هناك على الشيخ حسن الطويل ، الذى شجعه على الالتحاق بالأزهر، لما رآه فيه من الاستعداد الكامل لدراسة العلوم الشرعية ، فحصل على الشهادة الثانوية الأزهرية ، ثم التحق بمدرسة دار العلوم الخديوية – كلية دار العلوم حاليًا وكانت تابعة للأزهر الشريف - وقد تلقى الإمام بالأزهر الشريف الفقه على مذهب الإمام مالك، والعقائد على أصول أهل السنة، والأخلاق على طريقة الإمام الغزالى، وتفسير القرآن الشريف وعلم الحديث رواية ودراية وغير ذلك من العلوم الشرعية، وفى تلك الفترة بدأ الإمام يكتب شروحًا ومشاهِـد وأذواق على بعض الأحاديث النبوية والآيات القرآنية ، وبعض أبيات نظميـة ومواجيـد قلبية في أمور يعتبر بها مما يدل على قدرة الله تعالى، أو بديع صنعـه، وصار ذكره قراءة القرآن، والتدبـر في معانيـه، وفي كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرته الشريفة، وسيرة خلفائـه وأهل الخير من السلف.

كما كان منهجه البحث عن العلم والعلماء الربانيين لينهل منهم العلم النافع فكان كلما سمع بصالح أو ولي أو عالم تقى زاره وسمع منـه، فإذا سمع منه الحكمة أو شيئًا من علوم التوحيـد أو الأخلاق أحبه ، وإن رأى غير ذلك سلم له وانصرف عنه، ولم يكن معارضًا أو منتقدًا أو مجادلاً، اللهـم إلا إذا رأى ما يغضب الله عز وجل ، فكان ينصح ويعظ برحمـة وليـن.

فمع ما تلقاه الإمام بالأزهر ومدرسة دار العلوم ، تلقى عن أئمة الطريق شرح مقامات اليقين وشرح الأوراد والأذكار الواردة عن أئمة الصوفية، حتى أجيز فى كل من الطريقة الشاذلية والطريقة القادرية والنقشبندية وطريق السيد أحمد بن إدريس، وطريق الإمام الغزالى، وغيرهم من الطرق.