بناء البيت الاسلامي (5) : الحياة الزوجية تقوم على المسئولية والحب!!

26/06/2021
شارك المقالة:

 

شرع الله الزواج فى الإسلام لغايات نبيلة ولأهداف سامية منها:

الحفاظ على النسب بين الناس، والحفاظ على النسل الإنسانى، ولترشيد وإشباع الغرائز والميول الشرعية، وأمان للمجتمعات من الضياع السلوكى، والانحلال الخلقى، وتنمية روح المحبة وغرس أصول الألفة، وتزكية العواطف الأبوية النبيلة وسعادة الأمومة ورعاية الأولاد.

ولذا جعله الله تعالى سنة الأنبياء والمرسلين، فقال تعالى: )وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً[1](

وجعله مبعث وحدة البشرية والمساواة فى الإنسانية، ونمو أصولها وانسجام فروعها، فقال تعال: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً([2]

وهو أيضًا عنوان تمدن وتحضر، وأساس كل تعاون وتقدم، على عكس العلاقات غير المشروعة فإنها عنوان تخلف ورجعية، وبدائية وهمجية، وجاهلية جهلاء.

والزواج فى الإسلام قائم على أساس متين من التراضى أو الإيجاب والقبول المقترن بالشهود، وفى ظل من رقابة الشرع وإقراره، فليس كل تراض معتبر شرعاً، وإنما التراضى القائم على نظام معين هو المقبول الذى يقره الشرع، ولا قيمة لتراض مخالف نظام الشرع فى كل العقود.

لذا ارتضى الشرع نظامًا معينًا ووحيداً للزواج، وهدم كل ما عداه، وألغى وأبطل كل ما سواه.

أسس الحياة الزوجية

والزواج طريق بناء الأسرة السوية القوية المتماسكة، إذا أقيمت دعائمه على أسس وطيدة ثلاثة هى:

1- يتطلب تكوين الأسرة ابتغاء مرضاة الله تعالى، والتخلق بالأخلاق النبوية الإسلامية، والآداب الاجتماعية العالية، فإن فساد الأسر ينشأ من التهاون بهذه الآداب، ومن أخصها الرفق والحلم والتعاون والعدالة. روى ابن عساكر عن الإمام على كـرم الله

وجهه أن النبى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى، ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم)[3].

2- الحياة الزوجية ذات هدف كريم، وشركة ذات مسـؤوليات جسام، وعلى الزوجين تحمل أعباء هذه المسئوليات بهمة عالية وتعاون مستمر على السراء والضراء، وتربية يقظة للخلق ورعاية للأولاد، وهذا يتطلب تنظيم الأعمال بينهما داخل البيت وخارجه، على أن القوامة أو القيادة للرجل، لأنه أقدر من المرأة على مجابهة الصعاب، ورؤية المستقبل، وأكثر خبرة وفهماً وتجربة بشؤون الحياة.. ونذكر أن أول خطاب يتعلق بالرجل والمرأة هو قوله تعالى: )وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا [4]( ، فالخطاب لآدم بالذات )وَقُلْنَا يَا آدَمُ( وجعلت المرأة فى معيـة الرجل، ونأخذ من هذا أن المسئولية مسئولية الرجل، وأن المرأة لها حقوق يكفلها الرجل.. ولا يصح للرجل أن يفهم أن المرأة مجرد متاع أو مخلوق للخدمة والراحة، فللمرأة مشاعرها وعواطفها وكرامتها، كما أن للرجل حقوقه وعليه واجبات فى سبيل أسرته.

3- العلاقة الزوجية يجب أن تبدأ وتستمر وتبقى على أساس الحب والتقدير والتفاهم المتبادل بين الزوجين، فالزواج علاقة عاطفية، لا شركة تجارية، لأن الشركات المادية تفلس غالبًا، والعلاقة الزوجية يجب أن تدوم وتستمر، لأن نسيجها فى الإسلام هو المودة والرحمة التى جعلها الله بين الزوجين، وعوض بها كلاًّ من الرجل والمـرأة عن عاطفة الأبوة والأمومة،  وعن حنان الأبوين إذا استقل الزوجان فى حياتهما. وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: )وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[5](

حقوق الزواج

ينشئ الزواج حقوقاً لكل من الزوج والزوجة مستقلة أو مشتركة، وأذكر هذه الحقوق بإيجاز: حقوق الزوج، وحقوق الزوجة، وحقوق الزوجين.

حقوق الزوج

- الطاعة:

يجب على الزوجة طاعة زوجها لأن الطاعة مجلبة للهناء والرضا، أما المخالفة فتولد البغضاء وتفسد العواطف، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد  لزوجها)[6] ، وهذا يدل على عظم حقه عليها، وهو أمـر مـن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطاعة الزوج، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة)[7] وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها , وصامت شهرها , وحفظت  فرجها , وأطاعت زوجها , دخلت جنة ربها)[8] فأضاف طاعة الزوج إلى أبنية الإسلام التى لا تدخل الجنة إلا بها, واشترط طاعته لدخولها.

- الاقتصاد فى المعيشة:

يجب على الزوجة الحفاظ على أموال الزوج، فلا تعطى شيئًا من بيته إلا بإذنه، فلا تكن مسرفة، فإنها لا تعلم ما فى الغيب وما تخفيه الأقدار، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحل لها أن تُطعِم من بيته إلا بإذنه، إلا الرطب من الطعام الذي يُخاف فساده، فإن أطعمت عن رضاه كان لها مثل أجره، وإن أطعمت بغير إذنه كان له الأجر وعليها الوزر). وهذا يعتبر الوسط ما بين الإفراط والتفريط، وقد أمر الله بالاقتصاد ونهى عن الإسراف فقال تعالى: )وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ( (الإسراء: 29)، وقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : (ما أحسن القصد في الغنى، وما أحسن القصد في الفقر، وما أحسن القصد في العبادة).

وقال سيدنا أبو بكر t: (إنى لأبغض أهل بيت ينفقون رزق أيام فى يوم واحد).

ومن هنا نرى أنه يوجد نوعان من الزوجات: الزوجة المسرفة والزوجة المقتصدة.

فالزوجة المسرفة عدوة لنفسها ونكبة على زوجها، وكم من زوجة هدمت بيتها بسوء تصرفها فى مال زوجها.

أما الزوجة المقتصدة فإنها تعمل على الحفاظ على أموال زوجها لمستقبل الأسرة، وهى زوجة محبوبة وقريبة من قلب زوجها، وبذلك ترتقى بشأن الأسرة وسعادتها، وهذا يرجع لحسن تدبيرها.

أيتها الزوجة:

لا تكلفى زوجك ما لا يطيق، مراعية أحواله المادية، وارفعيه بتدبيرك للأحسن، لأن أكثر شيء تضيق به نفس الرجل هو كثرة طلب المال فى وقت ليس معه مال مما يؤدى إلى الدَّين، فإن الدَّين همٌّ بالليل ومذلة بالنهار، فمن تُرِد أن تكسب قلب زوجها فعليها أن تُرِى زوجها ثمرة تدبيرها، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (فالمرأة راعية على مال زوجها ومسئولة عنه).

- التزين للزوج:

من المحزن أن ترى الكثير من السيدات يهملن التزين للزوج فى كثير من حياتهن، ويرجع هذا لاعتقاد الزوجة أنها ترفع الكلفة بينها وبين زوجها، ولكن  احذرى أيتها الزوجة ؛ فإن هذا يعتبر تقصيرًا فى حق الزوج، وهذا يؤثر على نفسيته وبالأخص حينما تتزينى عند الخروج لزيارة الأهل والأقارب.

ومن التزين النظافة، فنظافة البدن من الإيمان، والزوج عندما يرى زوجته نظيفة، فإنه يزداد حبًّا لزوجته، واحذرى أيتها الزوجة من اشمئزاز زوجك أن يشم منك رائحة كريهة.

ومن التزين للزوج الاغتسال من الحيض والنفاس والجنانة: وهذا من حقوق الزوج، وله إجبار زوجته على ذلك، لأن النفس تعاف من وطء الجنب والحائض، ولأن الصلاة واجبة عليها، ولا تتمكن منها إلا بالغسل، ويملك الزوج إجبار زوجته الكتابية، أى: اليهودية والنصرانية، على الغسل من الحيض والنفاس.

– المعاشرة بالمعروف: 

قال الرسول  : (لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل، يوشك أن يفارقك إلينا).

عليك أيتها الزوجة أن ترضي زوجك ولا تغضبيه، وأن تظهرى له الأخلاق الطيبة الحميدة وتتحدثى معه بكلام معسول، وعند غضبه ؛ فعليك أن تمتصى غضبه حتى يهدأ، وإن كنتِ مخطئة فعليك بالاعتذار، وإن كان مخطئًا فلك أن تعاتبيه ولكن فى الوقت المناسب، وعليك احترام مشاعر الزوج، وآراءه وأفكاره والكلام الذى يتكلم به أمامك وأمام الآخرين فى شتى المواضيع فهذا أمر هام، وإياك أن تعيبيه أمام الآخرين فإن هذا يسبب رواسب فى نفسه قد تظهر لاحقًا، وعليك أيتها الزوجة ألا تنسى استخدام كلمة شكرًا عرفانًا للجميل، مع الثناء على الزوج فى حضوره وغيابه لأن هذا يزيد اعتزازه بك، وأن تكونى فى حالة وجود الزوج بالمنزل طلقة الوجـه مستبشرة، وبهذا ينمو الحب بين الطرفين ويدوم إلى الأبد.

= أيتها الزوجة أحب أن أنصحك أن الزوجة لا تفارق زوجها فى حالة إذا أصابته ضراء فى ماله أو بدنه فإن هذا قمة الوفاء وحفاظًا منك على البيت وعلى الترابط الأسرى قال تعالى: )وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( (البقرة: 237).

ومن الوفاء والحكمة فى معاملة الزوج ما جاء أن الإمام الحسن ابن علي بن الحسن قال لامرأته عائشة بنت طلحة‏:‏ أمرُكِ بيدكِ‏. ‏فقالت‏:‏ " قد كان عشرين سنة بيدك فأحسنت حفظه، فلن أضيعه إذ صار بيدي ساعة واحدة وقد صرفته إليك " ‏فأعجبه ذلك منها وأمسكها.

العفة:

عفاف المرأة فى الأسرة أن تتصرف فى غياب زوجها التصرف السليم الذى به تصونه وتحفظه، فالحياء حسن ولكنه من المرأة أحسن، قال تعالى: )وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( (النور:31)، وعن السيدة عائشة رضى الله عنها أنها قالت: (أفضل النساء التي لا تعرف عيب المقال، ولا تهتدى لمكر الرجال، فارغة القـلب إلا من الـزينة لبعلها، والإبقاء في الصيانة على أهلها).

كذلك عليك عدم الاختلاط بالأجانب فى غياب زوجك فهو أسوأ ما يكون.

 - استئذان الزوج:

على الزوجة ألا تصوم تطوعًا إلا بإذن زوجها فإن صامت تطوعًا بغير إذنه جاعت وعطشت ولم يقبل منها، ومن حقه ألا تخرج من بيته إلا بإذنه فإن فعلت لعنتها الملائكة حتى ترجع إلى بيتها أو تتوب لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان)، ولا بأس بالحرة العفيفة أن تخرج لشىء لابد لها منه من قضاء حوائجها قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أذن لكن أن تخرجن فى حوائجكن)، وكذلك تخرجن فى الأعياد خاصة فقد أطلق ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن لا تخرجن إلا بإذن أزواجكن وعن رضاهم، ولا تخرجن أيضًا إلا فيما يعنى مما لابد منه، وينبغى أن تعرض الزوجة نفسها على زوجها كل ليلة.

- السفر بالزوجة:

للزوج بعد أداء كل المهر المعجل أن يسافر بزوجته إلى مقر عمله إذا كان مأموناً عليها.

وإلى العدد القادم لبيان حقوق الزوجة والحقوق المشتركة بينهما


[1]  (الرعد: 38).

[2] (النساء:1).

[3] رواه الحاكم عن على ،  ووثقه الشافعى وذكره السيوطى فى جمع الجوامع أو الجامع الكبير

[4]  (البقرة: 35).

[5]  (الروم: 21).

[6]  [أخرجه الترمذى]

[7]  أخرجه الترمذي ،  والحاكم في المستدرك على الصحيحين .

[8]  رواه ابن حبان،