حديث شريف

27/06/2021
شارك المقالة:

 

الإخلاص هو إقرار الحق سبحانه بالقصد فى الطاعة ، وقيل هو تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين ، وهو استواء أعمال العبد فى الظاهر والباطن .

والرياء أن يكون ظاهره خيرا من باطنه ، والصدق فى الإخلاص أن يكون باطنه أعمر من ظاهره , فالمخلص لا رياء له . والصادق لا إعجاب له ، ولا يتم الإخلاص إلا بالصدق ، ولا الصدق إلا بالإخلاص ، ومن شهد أنه مخلص احتاج إخلاصه إلى إخلاص ، إذ الإخلاص حقيقته نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق ، ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله .

وترك العمل لأجل الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما  . قال الجنيد : الإخلاص سر بين الله وبين العبد لا يعلمه ملك فيكتبه ، ولا شيطان فيفسده ، ولا هوى فيميله . الإخلاص أن لا تطلب على عملك شاهدا غير الله ، ولا مجازيا سواه ، ومن أخلص لله أربعين يوما تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ، وقليل العمل مع تحقيق الإخلاص فيه يكفى صاحبه ، بل يجعله محبوبا لله سبحانه .

ورب العالمين يقول : (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)[الزمر:2-3] ، وقال لنبيه : (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ)[الزمر: 14-15] وقال : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)[الملك :2] قال الفضيل بن عياض : هو أخلصه وأصوبه . قالوا : ما أخلصه وأصوبه ؟ فقال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا ، والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون على سنة رسول الله ، يقول سبحانه : (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً)[الفرقان:23] وهى الأعمال التى كانت على غير السنة وقد سئل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الرجل يقاتل رياء ويقاتل شجاعة ويقاتل حميه : أي ذلك فى سبيل الله ؟ فقال : من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله))  وأخبر عن أول ثلاثة تسعر بهم النار : قارئ القرآن والمجاهد والمتصدق بماله الذين فعلوا ذلك ليقال فلان قارئ ، فلان شجاع ، فلان متصدق ، ولم تكن أعمالهم خالصة لله يقول الله تعالى : (أنا أغنى الأغنياء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه غيرى فهو للذى أشرك به وأنا منه برئ) وفى أثر آخر يقول له يوم القيامة : (اذهب فخذ أجرك ممن عملت له ، لا أجر لك عندنا) وفى الصحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) يقول سبحانه : (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ)[الحج:37] ، وفى أثر إلهى  : (الإخلاص سر من أسرارى استودعته قلب من أحببت من عبادى) .

وإذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء ، والأعمال صور قائمة وأرواحها وجود سر الإخلاص فيها . والأعمال هنا هى أعمال الأبدان والقلوب ، وأرواحها وجود الإخلاص فيها ، فكما لا قيام للاشباح إلا بالأرواح وإلا كانت ميته ساقطة ؛ كذلك لا قيام بالأعمال البدنية والقلبية إلا بوجود الإخلاص فيها ، وإلا كانت صورا قائمة ، وأشباحا خاوية.

 ولا يتحقق الإخلاص حتى يسقط من عين الناس ويسقط الناس من عينه ، وكلما سقطت من عين الخلق عظمت فى عين الحق ، وكلما عظمت فى عين الخلق سقطت من عين الحق ، فما دام العبد يراقب الناس ويهابهم لا يتحقق إخلاصه أبدا ، ولا تجتمع مراقبة الحق مع مراقبة الخلق أبدا ، إذ محال أن تشهده وتشهد معه  سواه .

والإخلاص تصفية العمل من كل شوب أى : لا يمازج عمله ما يشوبه من شوائب إرادات النفس ، أما طلب التزين فى قلوب الخلق وطلب مدحهم والهرب من ذمهم أو طلب أموالهم أو خدمتهم ومحبتهم واستعمالهم فى قضاء حوائجه أو غير ذلك من العلل والشوائب ؛ فهذا يؤدى إلى شديد غضب الله فى الدنيا وعظيم العذاب فى الآخرة ، يقول سبحانه : (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ۖوَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[آل عمران :188].

والإخلاص ثلاث درجات : إخراج رؤية العمل ، وعدم طلب العوض عن العمل ، والنزول عن الرضا بالعمل ، إذ أن العامل يعرض له فى عمله ثلاث آفات : رؤيته ، وملاحظته ، وطلب العوض عليه ، ولا يتخلص من هذه الآفات والبليات إلا بمشاهدته منة الله عليه وفضله سبحانه وتوفيقه له ، وأنه بالله لا بنفسه لقوله عز شأنه : (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)[التكوير :29] هنا ينفعه شهود الجبر ، وأن المحرك له غيره ، وأنه ميت ، والميت لا يفعل شيئا ، فإن النفس البشرية الجاهله ظالمة ، طبعها الكسل ، وإيثار الشهوات ، وهى منبع كل شر ، ومأوى كل سوء ، فالخير الذى يصدر منها إنما هو من الله وبه لا من العبد ولا به كما قال سبحانه : (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ)[النور : 21]

وقال أيضا : (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِيقُلُوبِكُمْ)[الحجرات : 7] فالذى يخلص العبد من هذه الآفه معرفة ربه بعد معرفة نفسه ، والذى يخلصه من طلب العوض على العمل علمه بأنه عبد محض ؛ والعبد لا يستحق على خدمته لسيده عوضا ولا أجرا ، إذ هو يخدمه بمحض عبوديته ومقتضاها ، فما يناله من سيده من الأجر والثواب تفضل منه وإحسان إليه , لا معاوضة ، والذى يخلصه من رضاه بعمله مطالعة عيوبه وآفاته ، وعلمه بما يستحقه الرب جل جلاله من حقوق العبودية وآدابها ، فالعارف لا يرضى بشئ من عمله لربه ، ويستحى من مقابلة الله بعمله ، ومن نظر إل نفسه باستحسان شىء منها فقد أهلكها ، ومن لم يتهم نفسه على دوام الأوقات فهو مغرور .

 

الزكاة في الزراعات المستحدثة بعد عهد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ومصارفها الشرعية

يطلق علي الزكاة أحيانا صدقة ، فالزكاة صدقة ، والصدقة زكاة ، يفترق الاسم ، ويتفق المسمي ، فقد وردت الزكاة في القرآن باسم الصدقة ، مثل قوله تبارك تعالي : ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾[ التوبة: 60 ]