حلل الأخلاق المحمدية

01/07/2021
شارك المقالة:

 

قال ﷺ وآله : { إن لله تسعا وتسعين خلقًا من تخلق بأحدها دخل الجنة. فقال أبو بكر: أفي صفة منها يا رسول الله . قال: بل فيك كلها يا أبا بكر } ، أي أن سيدنا أبا بكر تخلق بأسماء الجمال الإلهي ، وبأسماء الجلال الإلهي ، عند المقتضي ، فأكرمه ربه فتعلق بأسماء الكمال الإلهي .

ولا مجال أصلاً للمقارنة بين مقام الرسالة ومقام الصديقية ، ولما كان سيدنا أبو بكر الصديق رضوان الله عليه قال عنه رسول الله ﷺ وآله فيما يتعلق يأخلاق الله : { بل فيك كلها يا أبا بكر } ..

فما هو مقام رسول الله ﷺ وآله؟!

إن شميم المقام تعجز عن أن تحوم حول حماه الأرواح في صفائها ..وقد قال ﷺ وآله مخبرًا عن المقام : { أدبني ربي فأحسن تأديبي } وقال : { إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) } ولا تمام إلا بعد الكمال ..وأخبرت عنه السيدة عائشة رضوان الله عليها : { كان خلقه القرآن } وقال الحق عز وجل : " وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ " .

--> والجميع مطالبون في نص حديث رسول الله ﷺ وآله بالتخلق بأخلاق الله ليجزينا الله الجزاء الأوفي .

ويذكر لنا الإمام أبو العزائم رضي الله عنه ما ينتظر العبد الذي سار علي هذا الدرب فأكرمه سبحانه في كبح جماح نفسه ، وعرف نفسه ؛ فعرف ربه ؛ ففتح له تعالى باب الأنس والمشاهدات ، فيقول مبينًا ذلك :

" إن الله لا يحب من خَلْقِهِ إلا من كان علي خُلُقِهِ ، ولا يُدْخِلُ في جنته إلا من تحصن بجنته ، ولا يخص بوداده إلا من جعله رحمة لعباده ، ولا يري ملكوته الأعلي إلا لمن بالشفقة تحلي ، ولا يتجلي ظاهرًا للمراد إلا إذا سلم من شره العباد ، ولا تظهر أنواره سبحانه في القلوب إذا تأثرت من خلقه بالعيوب ، وكيف تتجمل بالأنوار وقد خلعت عنها حلة الغفور الستار ..؟

إن حظيرة القدس لا تنال بالرياضيات والأعمال ، لأنها نزل المقربين والأبدال ، وإنما تقرب القريب بأخلاق من تقرب إليه ، وإنما يكون بدله إذا جمله بمعانيه ووصله ، وليس استحقاق الميراث بالعناء والإتعاب.. ولكنه بالمشابهة والإنتساب .. فأرح بدنك من الوصب ، وعليك بالنفس تتحلي بالحب ، وانظر بعين بصيرتك حقيقة رتبتك ، فأصلك إما طين أو ماء مهين ، ومن تحقق مبدأه اشتغل بشكر الله علي ما أولاه .

- وقال ﷺ وآله : { عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنوا إليكم ، وإن متم بكوا عليكم } .

- والأخلاق الحسنة الحميدة وصفها الإمام بأنها إما أن تكون علي الفطرة والسجية إلا من بعض الرعونات التي يستغفر منها العبد ويتوب ؛ فتكون سببًا لرفعة درجته عند الله ، وإما أن تكتسب بالجهاد وبالتواجد .

- يبين الإمام رضي الله عنه ذلك فيقول :

الأخلاق الحسنة إما فطرية أو تكليفية :

(1) الفطرية منها : تحصل لصفاء جوهر النفس ، لأن جوهر النفس إذا كان نورًا يقبل الخير ويرد الشر ، ويكون مجملا ًبالرحمة والرأفة والعواطف والبر والإحسان ؛فينشأ الإنسان محبًا للخير وأهله ، معاديًا للشر وأهله ، شكورًا في الرخاء ، صبورًا في البلاء ، يعفو ويصفح ، ويؤثر أخاه علي نفسه ، ويجازي السيئة بالحسنة ؛فيحبه الله والناس أجمعون ،

ويعيش الناس منه في سلامة وهو منهم في أمان ،... إلا حسود للنعمة ، أو شيطاني النزعة ..!!وهذا المفطور علي جميل الأخلاق :

* إن أعانه الله بمرشد كامل ورث أحوال الأنبياء ومنحه الله التخلق بأخلاقه العلية ..

* وإن عاش في مجتمع فاسد الأخلاق ، حفظه الله من شرورهم ،وإن أفسدوا عليه حياته لمخالفتهم إياه في المعاملة.. وهذ أشبه بسراج بين العميان .

(2)أما المتخلق : فإما أن يكون تخلق خوفًا أو طمعًا :

)أ) فالذي يخاف من السوط ، ويطمع في الدنيا :

فهذا قد يترك دينه خوفًا أو طمعًا ؛فيرتكب من الدنايا والسفاسف ما يتبرأ منه الحيوان الأعجم ، فإن الحيوان لا يبإلى أن يرفع صوته الدال علي نوعه أمام أشرف الحيوانات ، ولكن هذا المتكلف قد يترك دينه الحق إذا خاف أو طمع ، وقد يرتكب أكبر المنكرات إذا أمن جانب الخلق ، وقد يضر أمة بأسرها إذا نال خيرًا ولو من أعدي عدو لأمته ، وهذا يراه الناس إنساناً مسلمًا ، وهو في الحقيقة شيطان منافق . وعلاج هذا المرض سهل إذا يسره الله تعالى . قال سبحانه وتعالى : " قُلْ إِنَّ الْهُدَي هُدَي اللّهِ " .

)ب) أما الذي يخاف من الله :

فهو من الذين أمنوا بالآخرة ؛ فطمعوا في الجنة ، وخافوا من النار ، فيسارعون إلى الطاعات للنعيم المقيم ، ويتباعدون عن المعاصي خوفًا من الجحيم .. وقد كلف الله العلماء أن يبينوا للناس طرق الخير وموارد السعادة ؛ لأنه سبحانة وتعالى أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ليحصل الطمع والخوف . وأهل النفوس الزكية يعلمون الأخلاق الحسنة لأنفسهم من الناس ،  فإذا أحبوا شيئًا من أعمال ومعاملات وأخلاق الناس عملوا بها ، وإذا كرهوا شيئًا من ذلك تركوه ..والمجتمع الإنساني مدرسة الصديقين ، وكل إنسان يحب الفضائل والكمال الإنساني والعمل بها .. وخير ما يتقرب به العبد خلق حسن يعامل به غيره ، وفي الحديث الشريف : { ألا أخبركم بأحبكم إلى وأقربكم مني مجالس يوم القيامة؟

أحاسنكم أخلاقًا ، الموطئون أكنافًا ، الذين يألفون ويؤلفون . ألا أخبركم بأبغضكم إلىَّ وأبعدكم مني مجالس يوم القيامة؟ الثرثارون المتفيقهون الذين لا يألفون ولا يؤلفون.

--> والأخلاق الجميلة هي أخلاق رسول اللهﷺ وآله ، وغيره هي أخلاق الشيطان . وكل مسلم يحب رسول الله ﷺ وآله يجتهد أن يتخلق بأخلاقه ، ولو تكلف ليكون من أهل معيته ﷺ وآله ...