شارك المقالة:

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

   منذ مدة توجهت إلى سفارة كندا للحصول على تأشيرة سفر مع بعض الإخوة، لكن إحدى الموظفات المصريات المسيحيات بالسفارة الكندية سألتنا: أنتم مسلمون؟ قلنا لها: نعم، فرفضت إعطاءنا تأشيرة السفر إلى كندا، لا لشيء سوى أننا مسلمون، وسافرنا إلى أمريكا التي حصلنا على تأشيرة دخولها، ومن أمريكا حصلنا على تأشيرة دخول كندا.

   وفي العام قبل الماضي حدث نفس الشيء.

   وفي القاهرة توجهت إلى أحد أقسام الشرطة وقلت لهم أنتم حريصون على الوحدة الوطنية بين المسلمين والنصارى في مصر، وهذا فرضٌ نعم، لكن ليس على المسلمين وحدهم، وإنما لابد أن تشيع ثقافة الوحدة الوطنية بين المسلمين والنصارى على حد سواء؛ ليتحصن المجتمع كله من الأخطار والفتن التي يصر أعداء وطننا في الخارج على إشعالها.

   ومن الغريب أن صحيفة روز اليوسف نشرت مقالا لأحد الكُتّاب يذكر فيه أن كندا تمنع الشيخ أبا العزائم من دخول أراضيها، وكانت مقالة ظريفة طلبت من كاتبها أن يحيطني علما بما استند إليه من وقائع، ولكني لم أحصل على رد.

   وبعثت ناسا للأنبا شنودة وقلت له: حبذا لو تُعَلِّموا بناتكم مبادئ المحبة والتسامح والسلام التي كان عليها سيدنا عيسى عليه السلام، خاصة هؤلاء الموجودات في السفارات الأجنبية عامة؛ والسفارة الكندية خاصة، ولم أحصل منه على رد.

   ونشرت جريدة عقيدتى في أحد أعدادها عن أحد الدعاة المسلمين أنه ذهب ليأخذ تأشيرة دخول إلى كندا؛ فرفضوا أن يعطوها له.

   وفي الحقيقة؛ قد يكون لهم بعض العذر بسبب الدعايات المعادية والمغرضة التي تُلصِق بالإسلام والمسلمين تهمةَ الإرهاب، ولكن بالرغم من الاتهامات المغرضة التي توجه للإسلام؛ إلا أن الإسلام ينتشر -والحمد لله وحده- بل إن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارا في العالم.

   وفي كندا التي سافرت إليها عن طريق الولايات المتحدة الأمريكية؛ أحسست فعلا وتيقنت أن الواقع يؤكد أنه لا نجاة -للمسلمين خصوصا والإنسانية عموما- من الهوة التي سقط فيها العالم إلا بالإسلام، وهو الدين الوحيد الذي ارتضاه الله تعالى لخلقه وأقره بقوله: ( إنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإسلام)[[1]].

   ففي كندا، في صباح أحد الأيام ونحن نشاهد إحدى القنوات التليفزيونية الكندية؛ عرضت تلك القناة وقائع عقد قران شاب بشاب والقسيس يبارك هذا الزواج الغريب ويلقي عليهما نفس الكلمات التي تعوّد أن يلقيها: أنتم صرتم جسما واحدا وروحا واحدة، وعليكِ أن تَعِدِيه أن تعيشي معه في فقره وغناه؛ وتَعِدِيه أن تعيشي معه في صحته ومرضه، وتَعِدِيه أن تعيشي معه في شقائه وسعادته، ويقال هذا لكلا الشابين؛ يوصي كلا منهما بالآخر.

   يُقال ذلك عند زواج رجل برجل، كما يقال عند زواج رجل بامرأة!.

   والحقيقة أن الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية لم تُقِرَّا بهذا العمل، والتي أقرته هي الكنيسة البروتستانتية، وأيًّا كان الأمر فقد أُقِرَّ هذا العمل المخزي في هذه الأمم.

   لكن؛ ما الذي أوصل الأمرَ إلى هذا الحد ؟ ، وهذا المسلكُ المخزي ليس في منهج الأنبياء والرسل، ولم يصدر عن أحد ممن أخلص في صحبتهم وصدق في اتباعهم !!.

   إن ما حدث هو من ثمار التخريب التي يمارسه اليهود-ولا يكفُّون عن ممارسته- ضد الشرائع السماوية؛ ضد الإسلام؛ وضد المسيحية؛ بل وضد كل ما هو غير يهودي.

    ولنَعُدْ إلى الماضي قبل عقودٍ مضت.

   منذ حوالي ثلاثة وثلاثين عاما كنت طالبا في جامعة أسيوط في السنة الثالثة في كلية العلوم، وكان معنا زميل اسمه (إلِى أمين خضر) اسمه لا نعرفه ، أمسلم هو أم مسيحي؟ ونسأله: أنت مسلم؟ يقول: نعم أنا مسلم ولكني أضحك على النصارى وأقول لهم أنا نصراني، ويقول له النصارى: أنت مسيحي؟ يقول لهم: نعم أنا مسيحي ولكني أضحك على المسلمين وأقول لهم أنا مسلم.

    كان من الممكن أن يقترض بعض الطلبة نقودا من بعض، يعني مثلا تأخذ من زميلك عشرة قروش وتردها له بعد أسبوع أو اثنين أو ثلاثة، وكان (إلِى) هذا يسأل من جاء ليقترض منه: ماذا ستشتري بهذه العشرة قروش؟ فإن قال له مثلا: علبة سجائر؛ فيشترط عليه (إلِي) أن يعطيه سيجارة من تلك العلبة التي سيشتريها، ويعطى له العشرة قروش في نظير سيجارة يأخذها منه؛ علاوة على رد القرض طبعا، وهكذا؛ كان -بأي صورة من الصور- يحرص على الحصول على فائدة تعود عليه من أي قرض يقرضه.

   وفي أحد الأيام ذهبت أنا وثلاثة من زملائي – فَيْصل، وطلعت، و(إلِي)- إلى نادي البلدية بأسيوط، وذهب الثلاثة إلى حمام السباحة وجلستُ بالنادي أنتظرهم بعد أن رفضتُ الذهاب معهم، وشعر فَيْصَل بالتعب فخرج من حمام السباحة ليجلس معي، وبينما كان يأخذ ملابسه ليرتديها وكانت ملاصقة لملابس (إلِي)، فسقطت من ملابس (إلِي) بطاقة تحقيق الشخصية الخاصة به على الأرض، فالتقطها فَيْصَل ليعيدها إلى مكانها؛ فإذا به يجد مكتوبا بها في خانة الديانة: يهودي!.

   وأنبأني فيصل أن (إلِي) يهودي!.

   وفي الستينيات من القرن الماضي لم تكن تعرف اليهود إلا من أسمائهم مثل: كوهين، أو غيره من الأسماء اليهودية، وكانوا يُخفون عن غيرهم في المجتمعات التي يظهرون فيها أنهم يهود.

   ثم تغيّر مسلكهم بعد ذلك؛ تركب الطائرة تجد اليهودي يلبس الطاقية السوداء المعروفة حتى يعلن أنه يهودي، وفي أمريكا جماعة منهم متطرفون يسمونهم الحسائيين؛ لا أعرف نسبة إلى ماذا، هؤلاء يرتدون القبعة السوداء والبنطلون الأسود والقميص في أشد الحر، ويُربُّون السوالف ويضفرونها بحيث يظهرون بسِمَةٍ معينة ويحرصون على إظهار أنهم يهود.

    ما الذي حدث حتى جعل اليهودي في زمان يختبئ ولا يُظهر أنه يهودي، واليوم يحرص على أن يعلن بأنه يهودي وبكل الوسائل.

   لقد كانوا فيما مضى خائفين من المسلمين ومن النصارى، ولكنهم اليوم غير خائفين؛ لا من مسلمين؛ ولا من نصارى، بالأمس كانوا ضعفاء؛ ولكنهم اليوم أصبحوا أقوياء، بالأمس كانوا خدما؛ ولكنهم اليوم أصبحوا سادة.

   فهل هذا منطق؟ وهل يليق بالمسلمين أن يتقبلوا هذا الوضع في القرن الحادي والعشرين؟.

   إسرائيل أعلنت أن القدس عاصمتها، وتُسَابِق الزمن لتهويد ما تبقي من القدس وغيرها من الأراضي الفلسطينية، والمسلمون والنصارى يتفرجون، والعالم كله مُقِرٌّ بأن القدس عاصمة إسرائيل، فهل يستطيع أحد منا أن يذهب ليصلي ويتعبد في القدس وهى في يد اليهود؟ وهل يجوز لنا أن نتعامل ثانية مع اليهود وقد سلبوا منا القدس وغيرها مما هو من حقوقنا؟.

   لقد نجّس اليهودُ بيتَ المقدس، فهم يحكمون القدس ويسيطرون عليها وهذا تنجيس لبيت المقدس.

  اليوم لا بد للمسلمين من وقفة.

     ولننتبه:

  هناك قبعة أخرى لليهود غير القبعة السوداء التي يلبسونها؛ وهى القبعة البيضاء؛ التي يستبيح أصحابها قتل المسلم بلا حق بحجة أنه مشرك أو كافر أو صاحب بدعة في نظرهم؛ ويستبيحون أكل أموال الناس ظلماً؛ ويفرقون بين كل مسلم ومسلم، ولم يَسْعَوْا يوما إلى جمع شمل المسلمين.

   ما الفرق بين الطاقية السوداء والطاقية البيضاء؛ إذا كان هذا يقتل مسلما وذاك أيضا؟ وهذا يفرق بين مسلمين وذاك أيضا؟.

   لا بد أن نأخذ عبرة من الطاقية السوداء؛ والطاقية البيضاء.

   الطاقية البيضاء الخاصة بنا نحن لا بد أن تكون لوحدة المسلمين، وللحفاظ على دماء المسلمين، وللحفاظ على كرامة المسلمين، وللحفاظ على كيان المسلمين.

   اليوم -مما يؤسف له؛ وبعد توقيع اتفاقية واي ريفر وغيرها مما يدّعيه البعض اتفاقيات سلام؛ وهي في حقيقتها خداع وأوهام- أصبحت عاصمة فلسطين -الوهمية- أي بلد ما، وعاصمة إسرائيل: هي القدس، هذه طعنة في قلب كل من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله حقا وصدقا.

   الحقيقة أنني شخصيا حزين، وأعتقد أن كل المسلمين حزانَى، إنما لا بد من عمل، لا بد من مقاطعة إسرائيل بكل ما أوتينا من قوة؛ وهذه خطوة أولى لا بد منها؛ تليها خطوات لتحمل مسئولياتنا والقيام بما يجب علينا؛ حتى نكون أهلاً لشرف الانتساب إلى ديننا الإسلامي انتسابا حقيقيا.

   لقد أفتى الإمام أبو العزائم بكفر من يبيع أرضه في فلسطين إلى اليهود، وأن الإسلام برئ منه، ويفرَّق بينه وبين زوجته المسلمة؛ وإن مات لا يُغسَّل؛ ولا يُكفَّن؛ ولا يُصَلَّى عليه؛ ولا يُدفن في مقابر المسلمين.

   واليوم يمكن لنا أن نقول: إن الذي يتعاون مع العدو اليهودي فيشتري بضاعته؛ وينمي تجارته؛ ويقوي اقتصاده؛ ويعين على تثبيت هذا الكيان الغاصب بأي وجه من الوجوه وهو يعلم؛ فقد اختار لنفسه أن يشمله قول الله تعالى: (ومَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ)[[2]] ، ويكون قد فصل نفسه عن الجسد الإسلامي؛ فلا نتعامل معه؛ وإن مات لا نغسِّله؛ ولا نكفِّنه؛ ولا نصلِّي عليه؛ ولا يُدفن في مقابر المسلمين.

   ومقادير الأمور كلها بيد الله تعالى وحده, ولن نجوع؛ ولن نعرى؛ وبإذن الله لن نذل لغير الله.

   فهيا لنقوم بواجب الوقت؛ عسي الله تعالى بفضله أن يجعل في حركتنا بركة؛ لتجتمع الأمة من جديد؛ ونواجه أعداءنا بما يجب أن نواجههم به؛ وبقدر ما نستطيع؛ حتى يعود لأمتنا الإسلامية مجدها الذي فقدته؛

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1]  - آل عمران آية 19 .

[2]  - المائدة آية 51 .