بناء البيت الإسلامي (8): ميلادُ طفلٍ يُدْخِلُ البهجةَ والسعادةَ فى القلوب!!

26/07/2021
شارك المقالة:

قال الله تعالى: )وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً( (النحل:72).

الولادة

إن عملية الولادة لابد أن يهتم بها الزوج اهتمامًا بالغًا لأنها مرحلة تدعو للقلق والارتباك خوفًا على الأم والمولود ، فينبغى أن يباشر عملية الولادة الطبيب المختص صاحب الخبرة والكفاءة والمهارة ، ومن الأفضل أن تقوم بذلك الطبيبة المختصة إلا إذا لم تتوفر فيها الخبرة والكفاءة فى ذلك ، وهذا لضمان سلامة الأم وولدها.

البشرى بالمولود

قال تعالى: )يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى( (مريم:7)، وقال جل شأنه: )إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ( (آل عمران:45)، وقال سبحانه: )وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ( (هود:69).

فالبشرى بالمولود ذكرها القرآن الكريم، وإن مما يُدخِل الفرح والبهجة والسعادة فى قلب الأب إخباره بمجيء طفله إلى الدنيا، فمتى وُلد المولود استحب لمن حضر الولادة من النساء أو من كان قريبًا من مكانها وعلم الخبر أن يسارع إلى والده فيبشره بذلك المولود ذكرًا كان أو أنثى، فإدخال السرور على الوالد وأقاربه وأصدقائه أمر محبوب يدعو إليه الشرع الشريف ويرغب فيه، وهو عرف قديم يدل على التحابب والتآخي والتعاون على فعل الخير وصنع المعروف، وهو بشرى مزدوجة لأنها تنبئ الزوج على سلامة زوجته وسلامة المولود.

فعندما ولد سيدُنا محمد  صلى الله عليه وآله وسلم   بشرت بمولده جاريةٌ اسمها ثويبة عمَّه أبا لهب ففرح بذلك وأعتقها، وقد ورد أن الله تعالى يخفف عن أبى لهب العذاب في يوم الاثنين لفرحه بميلاد سيدنا رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم . ولا تقتصر البشرى بالمولود على الذكور فقط، بل إن الإسلام لا يفرق بين الذَّكَر والأُنثى فهما في التكليف سواء، وقد تكون الأُنثى أنفع لأبويها من الذَّكَر.

روي عن الحسن البصري أن رجلاً جاء إليه وعنده رجل قد وُلد له غلام، فقال له: يَهْنِئك الفارس، فقال له الحسن: ما يدريك فارسٌ هو أم حَمَّار؟! قال: فكيف نقول؟ قال: قل: بُورِك في الموهوب، شكرتَ الواهبَ، وبَلَغَ أشُدَّه، ورُزِقتَ برَّه .

وأسوتنا العظمى هو سيدنا رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  الذي لاحت أمارات البشر والسعادة فى وجهه حين أذيع نبأ مولد حفيده المبارك سيدنا الحسن بن الإمام علىّ كرم الله وجهه، فأخذه برفق, وضمَّه فى حنان بالغ، وراح يقبله قبلات حانية، وأول ما قرع سمعَه صوتُ رسولِ اللهِ  صلى الله عليه وآله وسلم  بكلمات الأذان والإقامة، وكان الوالد المبارك الإمام علىّ كرم الله وجهه فرحًا عند قدوم ابنه للدنيا؛ إذ صار لرسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  ذرية منه، وقيل: إنه  صلى الله عليه وآله وسلم  فعل ذلك بأخيه الحسين عليهما السلام.

   ومن منهج رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  ما يلي:

الأذان والإقامة:

  أول ما يطرق أذن المولود هو ذكر الله تعالى الذي يفر منه الشيطان الرجيم، قال  صلى الله عليه وآله وسلم  : (من وُلد له مولودٌ فأذَّن في أُذنه اليمنى وأقامَ في أُذنه اليسرى، رُفعت عنه أمُّ الصبيان) وأم الصبيان هي التابعة من الجن المسماة عند الناس بالقرينة. 

وشهادة أن لا إله إلا الله سيدنا محمد  رسول الله هي الشهادة التي أول ما يُدخل بها الإسلام، وهي شعار الإسلام عند دخول العبد إلى الدنيا، ويصل أثر التأذين إلى قلبه ويتأثر به وإن لم يشعر، وفيه معنى آخر يقول به بعض العلماء؛ وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سبحانه سابقة على دعوة الشيطان؛ كما كانت فطرة الله التي فطر الناس عليها سابقة على تغيير الشيطان لها.

التحنيك:

   عن أبي موسى قال: (وُلد لي غلام فأتيتُ به النبيَّ  صلى الله عليه وآله وسلم  فسمّاه إبراهيم، وحنّكه بتمرة، ودعا له بالبركة ودفعه إلىّ) [البخارى ومسلم].

   فالتحنيك سنة عن سيدنا رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم ، وطريقتها أن يُحَنَّك الصبيّ بتمرة بأن يدلك بها فم المولود من الداخل، وهذا يكون في الأيام الأولى من ولادته.

القيمة الغذائية للتمر:

يحتوي على الحديد والمعادن كما يحتوي على الفيتامينات وكمية كبيرة من السكر والبروتينات، ويعتبر غذاءً كاملاً مفيدًا للأطفال حيث يمدهم بالطاقة وتكوين المناعة ضد الأمراض؛ مما يستفيد منه المولود فى ذلك الوقت.

ما يُجرَى في اليوم السابع للمولود

‏   عن ‏‏سمرة بن جندب ‏عن رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وآله وسلم  ‏قال: ‏(‏كل غلام رهين ‏‏بعقيقته ‏تُذْبَحُ عنه يوم سابعه ويُحْلَقُ رأسه ويُسَمَّى) [النسائى والترمذى].

1- العقيقة:

   عن ‏‏سلمان بن عامر الضبي ‏أن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم ‏ قال: (‏‏في الغلام ‏‏عقيقة ‏فأهريقوا ‏‏عنه دمًا ‏وأميطوا ‏عنه الأذى) [رواه أهل السنة كلهم]، وعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: (أمرنا رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  أن نعق عن الغلام بشاتين وعن الجارية بشاة) [رواه أحمد].

  فيستحب في اليوم السابع من ولادته أن يقوم والده- أو من يسد مسده- بذبح شاة واحدة إذا كان المولود أُنثى؛ وشاتين إذا كان المولود ذَكَرًا؛ أو شاة واحدة إن لم يستطع أن يذبح شاتين .

   وقد ذكر العلماء أن العقيقة لا تفوت بتأخيرها عن السبعة، ولكن يستحب أن لا يؤخر عن سن البلوغ، قال سيدنا رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم : (العقيقة تذبح لسبع، أو لأربع عشر، أو لإحدى وعشرين) [الطبرانى، وكنز العمال، والبيهقى]، ونفهم من ذلك أنه يجوز ذبح العقيقة في هذه الأيام إن كان ذلك مستطاعًا.

   أما في حالة عدم الاستطاعة نهائيًّا؛ فمن الممكن أن يقوم الشخص بعمل العقيقة عن نفسه بعد ذلك، قالَ الحسنُ البَصْرِيّ: إذَا لَمْ يُعَقَّ عنكَ فَعُقَّ عَن نَفسِك وإِن كنتَ رَجُلاً.

    ويُستحب في العقيقة ما يُستحب في الأضحية من الصدقة وتفريق اللحم، فالذبيحة عن الولد فيها معنى القربان والشكران والفداء والصدقة .

  والاجتماع على العقيقة يزيد الترابط الاجتماعي والألفة والمحبة بين أسرتَيْ الزوجين، ولا ننسى نصيب الفقراء من تلك العقيقة لما لذلك من أهمية؛ فقد قال  صلى الله عليه وآله وسلم : (شرُّ الطعامِ طعامُ الوليمةِ يُدعَى لها الأغنياءُ ويُترك الفقراءُ ) [رواه الإمام مالك في الموطأ كتاب النكاح باب ما جاء في الوليمة].

   ويستحب للرجل أن يذبح عقيقته إن استطاع، وأن يسمي الله ويقول ما قاله رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  عندما عق عن الحسن والحسين عليهما السلام، قالت عائشة رضي الله عنها: "عق النبيُّ  صلى الله عليه وآله وسلم  عن الحسن والحسين وقال: قولوا: بسم الله؛ اللهم لك وإليك عقيقة فلان" [ كما في الترمذي وغيره].

   والمستحب كما يقول أهل العلم أن يفصل أعضاءها ولا يكسر عظمها؛ تفاؤلاً بسلامة أعضاء المولود.

- حلق شعر الرأس: 

   يستحب حلق شعر الصبي والتصدق بوزنه فضة، فقد روى مالك في موطئه عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: (وزنت فاطمةُ شعرَ حسن وحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقَتْ بزِنَةِ ذلك فضة) وهذا الحديث يبين أن حلق الرأس والتصدق بزنة شعره ليس خاصًّا بالصبيّ الذَّكَر؛ وإنما هو عام في الذَّكَر والأُنثى.

   وحلق رأس المولود فيه مصلحة من حيث تحسين الشعر، وانتفاع الفقراء بالصدقة.

‏- التسمية:

    قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم : (إنكم تُدعون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم) [أبو داود].

    يُفهم من هذا أن على الأبوين أن يمعنا النظر في تسمية المولود بحيث يختارا له اسمًا طيبًا حسنًا، فلا يسمونه اسمًا يستقبحه الناس، أو يستنكره الطفل بعد أن يكبر ويعقل؛ كأن يكون اسمًا يوحي بالتشاؤم، أو يذم معناه، فيكون ذلك سببًا في عقوق الأبناء لوالديهم.

   لما ولدت السيدة فاطمة سيدنا الحسن عليهما السلام قالت للإمام عليّ u: سمّه، فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله، فجاء رسول الله   فأُخرج إليه في خرقة صفراء، فقال: (ألم أنهكم أن تلفوه في خرقة صفراء) ثم رماها وأخذ خرقة بيضاء ولفّه بها، ثم قال لعليّ u: هل سمّيته؟ فقال: ما كنت لأسبقك باسمه، فقال  صلى الله عليه وآله وسلم : وما كنت لأسبق باسمه ربّي U، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرائيل أنه قد ولد لمحمد ابن فاهبط فأقرئه السلام وهنئه وقل له: إنَّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمّه باسم ابن هارون، فهبط جبرئيل u فهنأه من الله U، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون، قال: وما كان اسمه؟ قال: شبّر، قال: لساني عربي، قال: سمّه الحسن، فسمّاه الحسن.

   وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب t يشكو إليه عقوق ابنه وسوء معاملته له، ولما مثل الولد بين يدي أمير المؤمنين سأله: أليس للولد حقوق على أبيه؟ فقال سيدنا عمر: بلى، أن ينتقي أمه، وأن يحسن اسمه، وأن يعلمه القرآن الكريم، فقال الولد: إن أبي لم يفعل شيئًا من ذلك، أما أمي فهي جارية كانت لمجوسي، وقد سماني جُعَلاً - أي : حيوان كالخنفساء يكثر فى المواضع الندية، ومن الناس الأسود الدَّميم،-، ولم يعلمني من كتاب الله حرفًا واحدًا.

إلى كلا الزوجين:

   إن الحياة الزوجية السعيدة؛ وبناء الأسرة الكريمة؛ إنما يتحقق بالتأسي بسيدنا رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  في كل ما ذُكر، ليتسنى لنا بناء الأسرة على الأساس الصحيح؛ لتكون لبنة في جسد مجتمع فاضل، وأمة إسلامية متحابة مترابطة.

وإلى اللقاء فى العدد القادم إن شاء الله.