بناء البيت الإسلامي (9):البنت حسنة للثواب..والولد نعمة للسؤال!!

04/08/2021
شارك المقالة:

الأولاد إناثًا وذكورًا هبة من الله تعالى:

 قال الله تعالى : (للهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إنَاثا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإنَاثا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)[الشورى: 49- 50].

إن الله تعالى بين أن البنت كالابن هبة ونعمة منه سبحانه يهبها لمن يشاء من عباده، فالله تعالى يفعل ما يشاء لا ما يشاء الأبوان.

   ولا شك أن القرآن الكريم كان يهدف إلى إلغاء النظرة الجاهلية بشأن مولد البنت، فقد تكون البنت أعظم أثراً وأخلد ذكراً من كثير من الأبناء الذكور، ومن ذلك ما ضربه الله تعالى مثلاً في قوله سبحانه: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)[التحريم:11-12].

   وقد جعل المصطفى [صلى الله عليه وآله وسلم] الإحسان إلى البنات أو الأخوات سببًا في دخول الجنة؛ فقال [صلى الله عليه وآله وسلم] : (لا يكون لأحدكم ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن إلا دخل الجنة)[الترمذي].

 وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال: (الْبَنَاتُ حَسَنَاتٌ، وَ الْبَنُونَ نِعْمَةٌ، فَإِنَّمَا يُثَابُ عَلَى الْحَسَنَاتِ، وَ يُسْأَلُ عَنِ النِّعْمَةِ)[الآداب الشرعية والمنح المرعية للمقدسى ونسبه إلى محمد بن سليمان].

    وقد اعتبر الإسلام أن التسخط من مولد الإناث ليس من خلق المسلم،  بل هو من أخلاق عرب الجاهلية الذين ذمهم الله عز وجل في قوله: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ)[النحل:58- 59].

وقديمًا قال شاعرهم:

لكل أب بنـت يرجى بقاؤها     ثلاثة أصهار إذا ذكر الصهر

فبيت يغطيها، وبعل يصونها     وقبر يواريها، وخيرهم القبر

ومن مأثوراتهم: أحب أصهارى إلىّ القبر!! [آل النبى [صلى الله عليه وآله وسلم] لبنت الشاطئ].

      فعلى الأبوين ألا يحزنا إن رزقهما الله بأنثى، فالأنثى عطية من عطايا الله تعالى؛ توجب على العبد شكره سبحانه.    

الرضاع:

   قال الله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة:233]، هذه الآية تبين أن الأمهات أَوْلى برضاع أولادهن من سواهن، فهذا يكوِّن ارتباطًا نفسيًّا قويًّا بين الأم والطفل، فينمو الطفل في جو من الاستقرار النفسيّ، وقد ثبت بالتجربة العلمية بأن عملية الإرضاع وما يصاحبها من مداعبة للطفل وضمه لصدر الأم والهزهزة أمر في غاية الأهمية، وله تأثيره على سلوك الطفل حاضرًا ومستقبلاً.

بالإضافة إلى ما يحتويه لبن الثدي من عناصر غذائية تضمن نموًّا طبيعيًّا للطفل وإكسابه مناعة، حيث إن لبن الثدي به القدر الكافي من سكر اللاكتوز – حوالي 7جم في كل 100سم3 - وهو سكر سهل الهضم والامتصاص في الأطفال، وكذلك يحتوي علي نسبة دهون مثلى، وقد تصل كمية البروتينات في لبن الأم إلى 1جم تقريبًا في كل 100سم3 من اللبن، وهـي مكونة من الأحماض الأمينية اللازمة لنمو الطفل ولجهازه العصبي ، كذلك من مكونات لبن الأم المعادن والعناصر والفيتامينات اللازمة لحياة الطفل، ويعتبر المصدر الرئيس للكالسيوم المهم في تكوين عظام الطفل، كما يوجد به الإنزيمات الهاضمة، كما أن لبن الأم يحتوي على الأجسام المضادة اللازمة للمناعة ضد الأمراض وبالتالى فإن هذا هو الغذاء الأمثل للطفل فى تلك الفترة .

     وقد جعل سبحانه لنهاية الرضاع مدة عيّنها سبحانه بقوله: (حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) والحولان سنتان هلاليتان، فإذا أراد الوالد أن يفطم الولد قبل العامين ولم ترض الأم فليس له أن يقهرها، وكذلك إذا أرادت الأم أن تفطمه قبل الحولين ولم يرض الوالد فليس لها أن تفطمه ، وقد انتهى بحث الأطباء إلى حقيقة: هي أن الأولاد إذا فطموا قبل السنتين كثرت الوفيات منهم , وإذا رضعوا السنتين قَلَّت الوفيات منهم، لأن أعضاءهم الباطنية تكون غير قابلة للأغذية النباتية وغيرها.

وعلى الأم في حالة الإرضاع أن تصبر على مولودها؛ فلا تستعجله ولا تمل.

ونوصى ألا ترضع الأمُّ الولدَ بعد الجماع حتى تطهر، فإنها إن أرضعته على غير طهارة سبب ذلك أمراضًا للمولود؛ لأن الجماع يزيد من تدفق الدورة الدموية فى الجسم وبالتالى هذا يؤثر على اللبن بالثديين؛ فإذا أُرضع الولد عقب الجماع مباشرة اعتل.

أما فائدة الرضاعة الطبيعية بالنسبة للأم فإنها تساعد على سرعة عودة رحم الأم للحجم الطبيعي قبل الحمل مرة أخرى، كما تعمل على تقليل الدم فى فترة النفاس وهى من أهم الأسباب الوقائية من سرطان الثدى لدى السيدات .

تأخر الإنجاب:

 أما في حالة تأخر الإنجاب فعلى الزوجين ألا يقلقا ولا يستعجلا الإنجاب، فمن الممكن أن يمكثا على الأقل أربع سنوات على هذا الحال، وقد يزيد، ومثال ذلك ما حدث مع سيدنا إبراهيم الخليل عز وجل، حيث رزق الولد على الكبر فقصَّ الله قوله: (الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء)[إبراهيم: 39].

 وللزوجين أن يذهبا إلى الطبيب المختص لإجراء التحاليل اللازمة لمعرفة سبب ذلك، ويمكن اللجوء إلى تقنية التلقيح الصناعى - أطفال الأنابيب - بشرط أن يكون التلقيح بماء الزوج مع الاحتياط والتأكد من ذلك، أما إذا كان بغير ماء الزوج فهو حرام [كتاب (بيان للناس) للدكتور جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر السابق].

والتلقيح بماء الزوج يعتبر علاجًا فى العلم الحديث، وهذا يظهر من قول الله تعالى: (وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا) ولم يقل: ويخلق من يشاء عقيمًا؛ فإن الخَلْق هو الإيجاد المبدئي من العدم، أما (الجَعَلَ) فهو فعل يعني تقدير أو إنتاج أو إضفاء هيئة معينة وحالاً معينًا على شيء، فقوله: (وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا) يفتح باب الرحمة ويسمح بمحاولة العلاج وحل تلك المشكلة بالأساليب الحديثة.

وسَعْيُ العقيم للإنجاب والأخذُ بالأسباب المشروعة لتحقيق ذلك لا ينافي التوكل على الله ولا ينقص الإيمان، فالإنسان مفطور على حب الولد , ويؤيد هذا ما روى أن أعرابيًّا جاء إلى النبى [صلى الله عليه وآله وسلم] فقال: يا رسول الله أنتداوى؟ قال: (نعم، فإن اللهَ لم يُنزِلْ داءً إلا أنزَل له شفاءً، عَلِمَه مَن عَلِمَه، وجَهِلَه مَن جَهِلَه)[رواه أحمد]، وفى هذا الحديث الشريف بيان أن الشفاء ممكن.

وعلى الزوجين أن يتحليا بالصبر، وأن يتضرعا إلى الله تعالى بالدعاء كما فعل سيدنا زكريا عز وجل لما رأى سعة قدرة الله ولطفه وكرمه ورعايته لمريم عليها السلام برزقها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، فطمع في استجابة ربه أن يرزقه الولد فدعاه سبحانه، قال الله تعالى: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء * فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)[آل عمران: 37-40].

وهذا أيضًا يفتح باب الأمل لمن تأخر فى الإنجاب، ويعلمنا الصبر والرضا بما قدّر الله سبحانه، وقد حكى النقاش أن قوله تعالى: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إناثا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ... الآية) نزلت في الأنبياء خصوصًا وإن عمَّ حكمُها، وهبَ للوط الإناث ليس معهن ذكر، ووهب لإبراهيم الذكور ليس معهم أنثى، ووهب لإسماعيل  وإسحاق الذكور والإناث، وجعل عيسى ويحيى عقيمين؛ ليكونوا عبرة وعظة لنا قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ)[يوسف:111].

 وقد تقتضي حكمة الله تعالى أن يعجز الإنسان بعلمه أن يعالج داء، إجلالاً وإعظامًا للقادر العليم سبحانه، فاعلم أنه ربما صرف الله عنك الولد لطفًا بك، ودفعًا لشر قد يلحق بك من هذا الولد، لعلم الله السابق أنك لو رُزِقتَ ولدًا لكان فتنة لك في دينك وشغلاً عن طاعتك وعذابًا لك وهمًّا؛ كما قص الله سبحانه عن سيدنا الخضر حينما قتل الغلام فتعجب سيدنا موسى عليهما السلام، قال تعالى حاكيًا عن سيدنا الخضر: (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً)[الكهف:80-81]، قال مطرف: " فرح به أبواه حين وُلد، وحزنا عليه حين قُتل, ولو بقى لكان فيه هلاكهما، فليرض امرؤ بقضاء الله تعالى، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له فيما يحب".

وجميلٌ أن يرضى الزوجان بحياتهما الزوجية المشتركة مع عدم الإنجاب؛ وأن يكون كل منهما وفيًّا للآخر حريصًا على استدامة العِشرة معه، فإن نغَّص عليهما حياتَهما عدمُ الإنجاب؛ وغلب على أيِّهما أو كليهما أثرُ التضرر؛ واستحالت حياتُهما إلى شقاق؛ وتشتت حالُهما وتنكد عيشُهما؛ فللزوجة حينئذ أن تطلب الطلاق، وللزوج أن يتزوج عليها أو أن يطلقها بحسب ما يقتضي الأمر.

نسأل الله تعالى أن يُسلِّم الأم وولدها من الأمراض، وأن يرزق الزوجين الذرية الصالحة التى تعينهم على طاعة الله ورسوله، وأن يوفقنا ويعيننا على العمل بما يحب ويرضى.

وإلى اللقاء فى العدد القادم إن شاء الله.