بناء البيت الإسلامي (10): مَنْ فَرَّحَ وَلَدَهُ فَرَّحَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامـَةِ!!

16/08/2021
شارك المقالة:

حب الأولاد:

   قال الله تعالى: [وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَات][النحل:72].

   الأولاد هم ثمار القلوب، وعماد الظهور، وهم من زينة الحياة الدنيا وبهجتها، بهم تسر النفوس، وتقر العيون قال سبحانه وتعالى: [الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاة الدُّنْيَا][الكهف:46].

   وحب الأبوين لأولادهما حب بالفطرة، والوالدان هما مظهر الحنان والرحمة والشفقة بما أودعه الله فيهما من تلك المعاني، ولولا ذلك ما اهتم الوالدان برعاية أولادهما، ولا بكفالتهم، ولا بالقيام بأمورهم، والسهر من أجلهم، وأسوتنا العظمى هو سيدنا رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]، فعن أنس رضى الله عنه قال: [ما رأيتُ أحدا أرحم بالعيال من رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]].  

   وقد ظهر جليًّا حبه [صلى الله عليه وآله وسلم] لابنيه الحسن والحسين عليهما السلام، من ذلك قوله [صلى الله عليه وآله وسلم] عنهما: [هذان ابناى، اللهم أحِبَّهما وأحِبَّ من يُحِبُّهُما].

   لكن على الوالدين أن يترجما عن محبتهما لصغيرهما بما يثمر خيرًا، قال الإمام زين العابدين عليه السلام: "وأمّا حقّ الصغير فرحمته، وتثقيفه، وتعليمه، والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به، والمعونة له، والستر على جرائر حداثته..."، ونعمت المحبة التي يفاض منها ذلك الخير على الشخصية المسلمة منذ نعومة أظفارها.

التوازن في محبة الأولاد

   قال تعالى: [وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ][الأنفال:28]، أَي: واعلموا - أيها المؤمنون - أن أموالكم التي استخلفكم الله فيها, وأولادكم الذين وهبهم الله لكم اختبار مـن الله وابتلاء لعباده; أيشكـرونه

عليها ويطيعونه فيها, أو ينشغلون بها عنه؟، فعلى الأبوين الاهتمام بحسن تنشئة الأولاد، وليدعُوَا الله تعالى بما دعا به عبادُ الرحمن الذين أخبر الله عنهم في كتابه: [وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً][الفرقان:74] ومع الدعاء يجب الأخذ بالأسباب، فيراعَى التوازن في معاملة الأولاد، فلا مبالغة في اللين معهم مبالغة تدفعهم إلى التسيب والفساد، ولا مغالاة في الشدة بما يضرهم في الدين والدنيا، وذلك يحتاج إلى تعاون وثيق بين الأبوين ليقوم كل بدوره.

مظاهر حب الوالدين للأولاد

   أولاً: النظرة إلى الطفل ببشاشة

   النظرة إلى الطفل ببشاشة تُشعِره بالراحة والطمأنينة، وتغرس المحبة فى قلبه لوالديه، وتربطه بهما رباطا وثيقا.

ثانياً: التقبيل

وهو تعبير عملىّ عن الحب والرحمة بما يلائم عقل الطفل، قال ابن عباس رضي الله عنهما: [كنتُ عنــد النبيّ [صلى الله عليه وآله وسلم] وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن عليّ، وهو تارة يقبّل هذا، وتارة يقبّل هذا] وكان ابنه [صلى الله عليه وآله وسلم] - سيدنا إبراهيم - مسترضعًا في عوالي المدينة وكان ينطلق فيدخل البيت فيأخذه ويقبله ثم يرجع.

وفي رواية أن الأقرع بن حابس أبصر النبيّ [صلى الله عليه وآله وسلم] وهو يقبّل حسيناً، فقال: إنّ لي عشرة من الولد ما فعلتُ هذا بواحدٍ منهم، فقال رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]: [من لا يَرحَم لا يُرحَم]، وقال [صلى الله عليه وآله وسلم]: [من قبّل ولدَه كتبَ اللهُ له حسنة، ومَن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة...].

ثالثاً: الاهتمام به

فالطفل يحب من يهتم به ويرعاه، فقد ورد عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْت النَّبِيّ [صلى الله عليه وآله وسلم] َخْطُب; فَجَاءَ الْحَسَن وَالْحُسَيْن - عَلَيْهِمَا السَّلام - وَعَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ, يَمْشِيَانِ وَيَعْثِرَانِ; فَنَزَلَ [صلى الله عليه وآله وسلم] فَحَمَلَهُمَا  بَيْن يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: [صَدَقَ اللَّه عليه السلام:  [إِنَّمَا أَمْوَالكُمْ وَأَوْلادكُمْ فِتْنَة][التغابن:15] نَظَرْت إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثِرَانِ فَلَمْ أَصْبِر حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهمَا]. ثُمَّ أَخَذَ فِي خُطْبَته.

   وكان [صلى الله عليه وآله وسلم] يصلّي فجاء الحسن والحسين فارتدفاه، فلما رفع رأسه أخذهما أخذاً رفيقاً، فلمّا عاد عادا، فلمّا انصرف أجلس هذا على فخذه الأيمن وهذا على فخذه الأيسر.

 ودخل الحسن وهو [صلى الله عليه وآله وسلم] يصلي وقد سجد، فركب على ظهره، فأبطأ في سجوده حتى نزل الحسن، فلما فرغ قال له بعض أصحابه: يا رسول الله لقد أطلت سجودك، قال: [إن ابني ارتحلني فكرهتُ أن أعجله].

ومن الاهتمام بالطفل شراء ما به يسرُّه، قال [صلى الله عليه وآله وسلم]: [من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله؛ كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنّه من فرّح أنثى فكأنما عتق رقبة من ولد إسماعيل، ومن أقرّ عين ابن فكأنما بكى من خشية الله]، وعلى الوالدين تلبية حاجات الولد المادية والمعنوية فيما هو مباح بقدر الإمكان، إلا إذا كانت رغبة الولد فى ما يضره أو يضر غيره، فيُمنع عنه ما رغب فيه بأسلوب تربوي حكيم.

قال  : [‏كلكم راع وكلكم مسئول، فالإمام راع وهو مسئول، والرجل راع على أهله وهو مسئول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسئولة، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول] [البخارى: النكاح] والراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه , وما هو تحت نظره, ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه, والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته، ومن هنا نفهم أن المسئولية ليست فقط فى الإنفاق ولكن فى غرس القيم والمباديء الإسلامية.

رابعاً: الرفق واللين

مما لا شك فيه أن تعليم وتربية الأطفال ليس بالأمر الهين، فهو يحتاج إلى رفق ولين وحكمة وروية حتى لا يمل الطفل من توجيهات والديه، وليس معنى هذا أن يُترك له الحبل على الغارب، ولكن المقصود ألا يكثر من التعنيف على الأخطاء، وألا يكون التعنيف قاسيًا، بل قد تكفيه كلمة، قال رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]: [رحم اللهُ مَن أعان ولدَه على برّه؛ يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه، ولا يخرق به...].

وقال [صلى الله عليه وآله وسلم]: [رحم اللهُ مَن أعان ولدَه على برّه، وهو أن يعفو عن سيئته، ويدعو له فيما بينه وبين الله].

وقال [صلى الله عليه وآله وسلم]: [رحم اللهُ عبداً أعان ولده على برّه بالإحسان إليه، والتآلف له، وتعليمه وتأديبه].

خامسًا: مراعاة حقوق الطفل المعنوية

وهو أن ينشأ في بيئة يستشعر فيها  بدفء العلاقة بين الأب والأم، وهو ما يغيب عادة في المعاملات اليومية إذا ما توترت العلاقة الزوجية، ويلاحظه الأطفال على الفور وبحساسية بالغة تفوق التوقع.

ويراعى ألا يرى الطفل أبويه فى غرفة النوم فى حالة العلاقة الزوجية، ولكن من الأفضل أن يرى الطفل أبويه فى حب وانسجام متبادل حتى يتربى الطفل على الحنان، مما يؤهله أن يكون زوجًا وأبًا حنونًا على أهله فى المستقبل حتى يتكون مجتمع إسلامى صالح.

سادسًا: العدل بين الأولاد

العدل بين الأولاد واجب، قال [صلى الله عليه وآله وسلم]: [اتقوا اللهَ واعدلوا بين أولادكم]، وقد أمرنا سيدنا رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] أن نعدل بين أبنائنا، لأن عدم العدل يولد الضغينة بين الأولاد ويوقعهم فى المعصية، ولذلك نرى كثيرًا من الخلافات فى المحاكم تكون بين إخوة وأهل، جاء بشير إلى النبي [صلى الله عليه وآله وسلم] ليشهده على هبة وهبها لابنه النعمان، فقال له [صلى الله عليه وآله وسلم]: [يا بشير؛ ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، فقال: أكلّهم وهبتَ له مثل هذا؟ قال: لا، فقال: لا أشهدُ على جور]، وقال الرسول [صلى الله عليه وآله وسلم]: [ساووا بين أبنائكم في القُبَل].

ومراعاة حاجات الأولاد لا تتنافى مع العدل، فقد يحتاج أحدهم ما لا يحتاجه آخر، فإن تساوَوْا في الحاجة والحال ساوى بينهم في العطية.

سابعًا: غرس الثقة بالنفس فى الطفل:

من أهم العوامل فى بداية تكوين شخصية الطفل هى أن تنمى فيه الثقة بنفسه عن طريق تحفيزه بكلمة تشجيع أو إظهار السرور والإعجاب له، ومن الممكن أن يجلب الوالد هدية لطفله كمكافأة له على عمل حسن عمله وذلك إن كان فى مقدور الوالدين. ومن الأساليب التى توصل للثقة بالنفس أن يعطى الأبوين لأطفالهم المسئولية فى اختيار ما يحبونه من الأمور الخاصة به، مثل: اختيار نوع الملابس، وألوانها، والألعاب، وما شابه مع جزء من توجيه من الأبوين لهم، ومن الممكن تعليم الطفل الادخار حتى يتعلم كيفية الاعتماد على النفس فى المستقبل فى حالة شراء ما يريده، ويمكن إسناد بعض الأمور إليه بما يتواكب مع سنه، ويشعره أنه مسئول عنها مع متابعة الأبوين له وتوجيهه.

نسأل الله تعالى أن يجعل أولادنا قرة أعين لنا، وأن يوفقنا وإياهم إلى ما يحب ويرضى.

وإلى اللقاء فى العدد القادم إن شاء الله.