قصة سيدنا عيسى عليه السلام (الحلقة السادسة)

01/09/2021
شارك المقالة:

 

ذكر خصائص سيدنا عيسى عليه السلام والمعجزات التى ظهرت علي يديه بعد مبعثه الى أن رُفع صلوات الله وسلامه عليه – الجزء الثالث

 

ومنها نزول المائدة ، قال الله تعالى ( إذ قال الحواريون ياعيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنت مؤمنين ) .

واختلف العلماء فى صفة نزول المائدة وكيفيتها وما كان عليها ، فروى قتادة عن جابر عن عمار بن ياسر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: نزلت المائدة عليها خبز ولحم وذلك أنهم سألوا عيسى طعاما يأكلون منه ولا ينفد قال : فقال لهم إنى فاعل ذلك وأنها مقيمة لكم مالم تخبئوا أو تخونوا ، فإن فعلتم ذلك عذبتم، قال فما مضى يومهم حتى خانوا وخبئوا ، وفى بعض الروايات أن بعضهم سرق منها وقال لعلها لا تنزل أبدا فرفعت ومسخوا قردة وخنازير .

 وقال بن عباس : قال عيسى لبنى اسرائيل صوموا ثلاثين يوما ثم سلوا الله ما شئتم يعطيكموه فصاموا ثلاثين يوما ، فلما فرغوا قالوا : ياعيسى إنا إن عملنا لأحد فقضينا عمله أطعمنا طعاما وإنا صمنا وجعنا فادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء ، فافترش عيسى الرماد ثم دعا الله فقال: ( اللهم أنزل علينا مائدة من السماء ) الآية، فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات ووضعتها بين أيديهم فأكل منها أخر الناس كما أكل أولهم ، وروى عطاء ابن السائب وغيره أنه كانت المائدة إذا وضعت لبنى إسرائيل اختلفت عليها الأيدى ، فيها كل الطعام إلا اللحم ، وقال عطية العوفى نزلت سمكة من السماء فيها طعم كل شئ ، وقال قتادة : كانت مائدة تنزل من السماء وعليها ثمر من ثمار الجنة وكانت تنزل عليهم بكرة وعشية حيث كانوا كالمن والسلوى لبنى اسرائيل ، وقال وهب أنزل الله قرصة من شعير وحيتانا فقيل لوهب ما كان ذلك يغنى عنهم من شئ، قال بلي ولكن الله ضاعف لهم البركة ، فكان قوم يأكلون ثم يخرجون ويجئ آخرون فيأكلون حتى أكلوا بأجمعهم وفضل ، وقال كعب الأحبار نزلت مائدة من السماء منكوسة تطير بها الملائكة بين السماء والأرض عليها كل الطعام الا اللحم وقال مقاتل والكلبى استجاب الله لعيسى عليه السلام فقال إنى منزلها عليكم كما سألتنى، فمن أكل من ذلك الطعام ثم لم يؤمن جعلته مثلا ولعنة وعبرة لمن بعدهم ، قالوا : قد رضينا ، فدعا شمعون الصفار وكان أفضل الحواريين ، فقال: هل معك طعام ؟ فقال معى سمكتان صغيرتان وستة أرغفة فقال علي بها فقطعها عيسى قطعا صغارا وقال اقعدوا فى روضة وترافقوا رفاقا كل رفقة عشرة ، ثم قام عيسى ودعا الله تعالى فاستجاب له وأنزل فيها البركة ، فصار خبزا صحاحا وسمكا صحاحا ، ثم قام عيسى يمشى فجعل يلقى فى كل رفقة ما حملت أصابعه ، ثم قال كلوا بسم الله فجعل الطعام يكثر حتى بلغ ركبهم ، فأكلوا ما شاء الله وفضل والناس خمسة آلآف ونيف ، وقال الناس جميعا: شهدنا أنك عبد الله ورسوله ، ثم سألوه مرة أخرى ، فأنزل الله خمسة أرغفة وسمكتين فصنع بها ما صنع فى المرة الأولى ، فلما رجعوا إلي قراهم ونشروا هذا الحديث ضحك منهم من لم يشهد وقال ويحكم إنما سحر أعينكم ، فمن أراد الله به الخير ثبته علي بصيرة ، ومن أراد فتنته رجع إلي كفره فمسخوا قردة وخنازير ليس منهم صبى ولا امرأة ، فمكثوا كذلك ثلاثة أيام ثم هلكوا ولم يتوالدوا ولم يأكلوا ولم يشربوا ، وكذلك كل ممسوخ .

ويروي عن عطاء بن أبى رباح عن سليمان الفارسى أنه قال: والله ما تبع عيسى من المساوى ولا انتهر يتيما ولا قهقه ضحكا ولا ذب ذبابا عن وجهه ولا أخذ علي أنفه مرتين شيئا قط ولا عبث قط ، ولما سأله الحوايون أن ينزل عليهم الموائد صنوفا ، قال : ( اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء) الآية. وارزقنا عليها طعاما نأكل (وأنت خير الرازقين) فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين غمامة من فوقها وغمامة من تحتها وهم ينظرون إليها وهى تهوى منقضة حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى وقال: اللهم اجعلنى من الشاكرين ، اللهم اجعلنا رحمة ولا تجعلنا مثلة وعقوبة ، وهم  ينظرون إليها فنظروا إلي شئ لم يروا مثله قط ولم يجدوا ريحا أطيب من رائحة ذلك، فقال عيسى لهم أحسنكم عملا يكشف عنها ويذكر اسم الله ويأكل منها ،فقال شمعون الصفار رأس الحواريين أنت أولى بذلك منا ، فقام عيسى وتوضأ وصلي صلاة طويلة وبكى كثيرا، ثم كشف المنديل عنها وقال: بسم الله خير الرازقين ، فإذا هو بسمكة مشوية ليس عليها فلوس ولا شوك فيها تسيل سيلانا من الدسم ، وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل ، وحواليها من أنوالع البقول ما خلا الكراث ، وإذا خمسة أرغفة علي واحد منها زيتون وعلي الثانى عسل وعلي الثالث سمن وعلي الرابع جبن وعلي الخامس قديد ، فقال شمعون ياروح الله: أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الآخرة ؟ فقال عيسى عليه السلام : ليس ما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة ، ولكن افتعله الله بالقدرة الغالبة كلوا مما سألتم يمددكم ويزيدكم من فضله ، قالوا : ياروح الله لو أريتنا من هذه الآية آية أخرى ؟ فقال عيسى يا سمكة أحيي بإذن الله ، فاضطربت السمكة وعاد عليها فلوسها وشوكها ، ففزعوا منها، فقال عيسى : ما لكم تسألون أشياء إذا أعطيتموها كرهتموها ، ثم قال: فما أخوفنى عليكم أن تعذبوا، ياسمكة عودى كما كنت بإذن الله ، فعادت السمكة مشوية كما كانت ، قالوا : ياروح الله كن أول من يأكل منها ثم نأكل نحن ، فقال عيسى معاذ الله أن آكل منها ولكن يأكل منها من سألها فخافوا أن يأكلوا منها ، فدعا لها عيسى أهل الفاقة والمرضى وأهل البرص والجذام والمبتلين وقال كلوا من رزق الله ولكم الهناء ولغيركم البلاء ، فأكلوا منها وصدر عنها ألف وثلاثمائة رجل وامرأة من فقير وزمن ومريض ومبتلى كلهم شبعان يتجشأ ، ثم نظر عيسى إلي السمكة ، فإذا هى كهيئتها حين نزلت من السماء ، ثم طارت المائدة صعدا وهم ينظرون إليها حتى توارت منهم فلم يأكل منها يومئذ مريض إلا برئ ولا زمن إلا صح ولا مبتلى إلا عوفى ولا فقير إلا استغنى ولم يزل غنيا حتى مات ، وندم الحواريون ومن لم يأكل ، وكانت إذا نزلت اجتمعت الأغنياء والفقراء والصغار والكبار والرجال والنساء يزدحمون عليها، فلبثت أربعين صباحا تنزل ضحى فلا تزال منصوبة يؤكل منها حتى إذا فاء الفئ طارت صعدا وهم ينظرون حتى تغيب عنهم ، وكانت تنزل غبا تنزل يوما ولا تنزل يوما كناقة ثمود ، فأوحى الله إلي عيسى أن اجعل مائدتى ورزقى للفقراء دون الأغنياء ، فعظم ذلك علي الأغنياء حتى شكوا وشككوا الناس فيها ، فقالوا أترون المائدة تنزل من السماء حقا ، فقال لهم عيسى هلكتم فشمروا لعذاب الله ، فأوحى الله تعالى إلي عيسى إنى شرطت علي المكذبين شرطين أن من كفر بعد نزولها عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، فقال عيسى عليه السلام ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثون رجلا باتوا من ليلتهم علي الفرش مع نسائهم فى ديارهم ، فأصبحوا خنازير يسعون فى الطرقات والكناسات ، ويأكلون القاذورات فى الحشوش ، فلما رأى الناس ذلك فزعوا إلي عيسى بن مريم ، فبكوا وبكا علي الممسوخين أهلوهم ، فلما أبصرت الخنازير عيسى بكت وجعلت تطوف به ، فجعل عيسى يدعوهم بأسمائهم واحدا بعد واحد فيبكون ويشيرون برءوسهم ولا يقدرون علي الكلام ، فعاشوا ثلاثة أيام ثم هلكوا.

       و للحديث بقية بإذن الله تعالى