قصة سيدنا عيسى عليه السلام (الحلقة الثالثة عشر)

04/09/2021
شارك المقالة:

 

تابع ما أورده الإمام أبو العزائم بيانا لحقيقة النصرانية ودعاتها فى كتابه (وسائل إظهار الحق):

بيان أن المسيح عبد ورسول كبقيه الرسل :

ثبت لنا جليا من هذا أن المسيح عليه السلام  عبد جعله الله آيه كبرى كما جعل يحيى ابن زكريا آية كبرى مثل آية المسيح ، وجعل آدم آيه من جلائل الآيات لأنه خلقه من طين ، فلا فرق فى حضرة القدرة بين أن يخلق شيئا من لا شىء ، وأن يخلق شيئا من شىء لم يخلق منه عادة ، وأن يخلق شيئا من شىء يخلق منه عادة لكن بغير كمال المعدات كل ذلك أمر هين على العقل إذا تصور القدرة تصورا ما . وإذا كان المخلوق من شىء يخلق منه عادة مع نقص فى المعدات يكون ابن الله ، فالأولى أن يكون المخلوق من لا شىء هو الله ، كالشمس والقمر وبقية الكواكب والأرض .

سبحانك اللهم وبحمدك ، تنـزهت وتعاليت عما يصفك الواصفون ، وتقدست عما ينتحله لك المنتحلون ، سبحانك علوا لذاتك الأحدية ، وتنزيها لكمالاتك الربانية . كيف تتخذ ولدا وأنت الغنى عن كل من سواك وماسواك ، والكل مقهورون لقهرك ، مربوبون لعزتك ، فقراء إلى جنابك العلى . تحيى من تشاء وتميت من تشاء ، وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير وأنت على كل شىء قدير . الملائكة والرسل عبيد لذاتك ، أذلاء لعزتك . وأنت سبحانك الإله الواحد الأحد ، المنزه عن المثيل والنظير والوالد والوالدة . أسألك يا مجيب الدعاء أن تهب لنا نورا فى قلوبنا يملؤها يقينا حقا ، ونورا فى عقولنا يستبين لنا به طريق الوصول إليك . وسبيل القرب منك إنك مجيب الدعاء .

المسيح لم يجعل له دينا خاصا :

إلى هنا لم نتكلم فى روح الموضوع الذى نقصده ، وإنما بينا أن المسيح عليه السلام عبد ورسول كبقية الرسل عليهم الصلاة والسلام . وأن الله تعالى أكرمه بما أكرم به رسله السابقين ، من أنه سبحانه سلطه على أعدائه ولم يسلط أعداءه عليه بل حفظه حتى رفعه إليه ، وإنه عليه السلام  جاء متمما للتوارة لا ناسخا لأحكامها، لأن الإنجيل عبارة عن أقاصيص تاريخية للمسيح عليه السلام  ، وعن أخلاق فاضلة لم تبين فى التوارة ، وعن إثبات أنه عبد مسكين بما تقدم من الأدلة . وأنه لم يأت بدين اسمه النصرانية ، ولم يجعل له دينا خاصا لأنه قال : أنا ما جئت لأهدم الناموس وما جئت لأضع حربا ولكنى جئت لأضع سلما . ولا شك أن من جاء لينسخ الناموس الذى قبله لا ينسخه إلا بالحرب . وإليك إثبات ذلك فى أسفار سيدنا موسى عليه السلام  وسيدنا إبراهيم وسيدنا نوح وغيرهم من الرسل عليهم الصلاة والسلام . وما يدعيه النصارى من أن هناك دينا يسمى النصرانية قول غير صحيح . لأنه لابد لمتبع المسيح عليه السلام  أن يعمل بأحكام التورة جميعها، تاركا ما أمره المسيح بتركه ، ويزيد عليها ما أمره المسيح بالزيادة عليها . وبذلك يكون مقتديا بالمسيح عليه السلام  : ولكنهم لما أن ادعوا أنه دين مستقل احتاجوا إلى العبادات والعقيدة والمعاملات ، فادعى قوم أنهم رأوا أحلاما تدل على تعاليم يلزم أن يعملها المنتسب إلى النصرانية ووضعوا تعاليم الكنائس . فتركوا ما هو صريح من عند الله تعالى مما ورد فى التوارة ، ومكث العالم فى ظلمة الهوى والحظ وتقديس بعض الرجال حتى تنورت العقول تنورا ما ، بما أشرق على قارة أوربا من الأندلس من أشعة الأنوار الإسلامية، التى أيقظت تلك العقول الخامدة من سجن ظلمتها . لكن كانت تلك الأشعة منكسرة على كثائف ظلمات بعضها فوق بعض ، فأضاءت حوالى تلك الظلمات ، ولم تخترق كثيف تلك الطبقات لأنها لو نفذت من تلك الطبقات لأشرقت  شمس الإسلام مضيئة لهذا الأفق قال تعالى : ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ﴾ ([1]) فرفضت تعاليم الكنائس ورجعت إلى الإنجيل ، فظهر للعقول الكاملة أن الإنجيل تكملة للدين الموسوى ، ولم يوضع لينسخ أحكام التوارة ، فصاروا فى حيرة : إن رجعوا إلى التوراة واقتدوا بأحبار اليهود أثبتوا أن المسيح ابن زنا ، وإن وقفوا عند الإنجيل اختل نظام الدين لأنه أخلاق صرف . وكان الأحرى بهم بعد ان نبه العلم عقولهم إلى الحق أن يرجعوا إلى القرآن الذى يقول : إن المسيح كلمة الله وروح منه ألقاها إلى مريم .

المـراجـع

 

  1. وسائل إظهارالحق للإمام أبى العزائم
  2. أسرار القرآن للإمام أبى العزائم
  3. قصص الأنبياء المسمى بعرائس المجالس للثعلبى
  4. قصص الأنبياء لابن كثير
  5. قصص الأنبياء لعبد الوهاب النجار
  6. الفارق بين المخلوق والخالق للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن سليم زادة
  7. قصص الأنبياء والتاريخ للدكتور رشدى البدراوى
  8. قصص القرآن للدكتور محمد بكر اسماعيل
  9. بدائع الزهور فى وقائع الدهور لابن إياس
  10. قصص الأنبياء للشيخ محمد متولي الشعراوي
  11. النصرانية .. تاريخا.. وعقيدة.. وكتبا.. ومذاهبا.. دراسة وتحليل ومناقشة :     د. مصطفى شاهين
  12. التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام للشيخ محمد الغزالى
 

[1]))  سوة الأنعام آية 125 .