شارك المقالة:

 

وقال العتابي لأبى قزة النصرانى عند المأمون : ما تقول فى المسيح ؟ قال : من الله ، قال : البعض من الكل على سبيل التجزؤ ، والولد من الوالد على طريق التناسل ، والخل من الخمر على وجه الاستحالة ، والخلق من الخالق على جهة الصفة ، فهل من معنى خامس ؟ قال : لا ، ولكن لو قلت بواحد منها ما كنت تقول ؟ قال : البارى لا يتجزأ ، ولو جاز عليه ولد لجاز له ثان وثالث وهلم جرا ، ولو استحال فسد ،والرابع مذهبنا وهو الحق. ومنه : أول ما تكلم به عيسى عليه السلام فى المهد أن قال : ( إنى عبد الله) ([1]) ، وهو حجة على الغالين فيه ، يقال لهم : إن صدق فقد كذبتم وإلا فمن عبدتم ولم ادعيتم ؟ .

قال القاضى بن الطيب للقسيس لما وجهه عضد الدولة إلى ملك الروم : لم اتحد اللاهوت بالناسوت ؟ فقال : أراد أن ينجى الناس من الهلاك ، قال : فهل درى أنه يقتل ويصلب أو لا ؟ فإن لم يدر لم يجز أن يكون إلها ولا ابنا ، وإن درى فالحكمة تمنع من التعرض لمثل ما قلتم إنه جرى .

سأل القاضي هذا البطريق عن أهله وولده ، فأنكر ذلك النصارى ، فقال : تبرئون هذا ما تثبتونه لربكم ؟ سوأة لهذا الرأى ، فكسروا .

قال ابن العربى : سمعت الفقراء ببغداد يقولون : إن عيسى عليه السلام كان إذا خلق من الطين كهيئة الطير طار شيئا ثم سقط ميتا ، لأنه كان يخلق ولا يرزق ، ولو رزق لم يبق أحد إلا قال هو الله ، إلا من أوتى هداه .

سأل ابن شاهين الجنيد عن معنى ( مع ) فقال : مع الأنبياء بالنظر والكلاءة ( إننى معكما ) ([2]) ومع العامة بالعلم والإحاطة " و هو معهم " ([3]) فقال : مثلك يصلح دليلا على الله .

ومنه : سأل قدرى عليا رضى الله عنه عن القدرة ، فأعرض عنه ، فألح عليه فقال : أخلقك كيف شئت أم كيف شاء ؟ فأمسك ، فقال : أترونه يقول : كيف شئتُ ؛ إذا والله أقتله ، فقال : كيف شاء ، فقال : أيحييك كيف تشاء أو كيف يشاء ؟ قال : كيف يشاء ، فقال : أيدخلك حيث تشاء أو حيث يشاء ؟ قال : حيث يشاء ، قال : اذهب فليس لك من الأمر شىء .

قال أبو سليمان : أدخلهم الجنة قبل أن يطيعوه ، وأدخلهم النار قبل أن يعصوه ، جل حكم الأزل أن يضاف إلى العلل ، سبق قضاؤه فعله ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ ([4]) ، وأوقفت مشيئته أمره ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ  كُلُّهُمْ جَمِيعًا ﴾ ([5]) قال الشاذلى : أهبط آدم إلى الأرض قبل أن يخلقه لأنه قال : " فى الأرض " ولم يقل : فى السماء ، ولا فى الجنة .

 قال الأوزعي : قضى بما نهى ، وحال دون ما أمر ، وأخطر إلى ما حرم .

قال الأوزاعي لغيلان : مشيئتك مع مشيئة الله عز و جل أو دونها ؟ فلم يجبه ، فقال هشام بن عبد الملك : فلو اختار واحدة ؟ فقال : إن قال : معها ، فقد زعم أنه شريك ، وإن قال : وحدها ، فقد تفرد بالربوبيه ، قال : لله درك أبا عمرو .

من بيان عظمته : ﴿ رَفِيعُ الدَّرَجَات ﴾ ([6]) من آثار قدرته : ﴿ رَفَعَ السَّمَوَاتِ ﴾ ([7]) ، توقيع أمره ( يأمر بالعدل والإحسان ) ، واقع زجره : ﴿ وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ﴾ ([8]) تنفيذ حكمه : ﴿ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴾ ([9]) دستور ملكه : ﴿ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ ([10]) .

قال ابن إياس بن معاوية : ما خاصمت أحدا بعقلى كله إلا القدرية ، قلت لقدرى : ما الظلم ؟ فقال : أخذ ما ليس لك ، قلت : فإن الله له كل شىء .

قال الواسطي : ادعى فرعون الربوبية على الكشف ، وادعت المعتزلة الربوبية على الستر ، تقول : ما شئت فعلت .

ومنه : من أقصته السوابق لم تدنه الوسائل ، إذا كان القدر حقا فالحرص باطل ، إذا كان الله عز وجل عدلا فى قضائه فمصيبات الخلق بما كسبت أيديهم .

ما عذر معتزلى موسر منعت      كفاه  معتزليا   معسرا  صفــــــــــدا

أيزعم  القدر  المحتوم  ثبطه       إن قال ذاك فقد حل الذى عقدا

ومنه : دخل محمد بن واسع على بلال بن فروع فقال : ما تقول فى القدر ؟ فقال : تفكر فى جيرانك أهل القبور ، فإن فيهم شغلا عن القدر .

وكل من أغرق فى نعته     أصبح منسوبا إلى العىّ

المقادير تبطل التقدير ، وتنقض التدبير ، قال معتزلى لسنى : لو أراد ثبوت أحد على الكفر لم يقل : ( يخرجهم من الظلمات إلى النور ) فقال السنى : لو لم يكن الإيمان من فعله لم يقل : ﴿يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ﴾ ([11]) .

قال تغفور طاغية النصارى لأبى الحسن الشاباني : أنت تقول إن الخير والشر من الله – وذلك لأن النصارى كلهم على مذهب القدرية فى الاستطاعة – قال : نعم ، قال : كيف يعذب عليه ؟ هل كان حقا عليه أن يخلق ؟ فقال : لم يضطره إلى ما خلق مضطر .

قيل : نزلت : ﴿ وَمَا أَضَلَّنَا إِلا الْمُجْرِمُونَ ﴾ ([12]) فى القدرية لأنهم أضافوا الحول والقوة فى الشر إلى البشر فأشركوهم فى الخلق ، أما ترى قوله تعالى : ﴿ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ  فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ﴾ ([13]) إلى قوله تعالى : ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ ([14]) .

كنت  دهرا  أقول بـالإستطاعة               وأرى الجبر ضلةً وشناعة

ففقدت استطاعتى فى هوى ظبى        فسمعا  لمن  أحب وطاعة

*********

 ما لا يكون فلا يكون بحيلة                  أبدا ، وما هو كائن سيكون

*********

تريد النفس أن تعطى مناها                ويأبى الله إلا ما يشـــــــــــــــــــــــــاء

*********

شفاء الصدور فى التسليم للمقدور.

*********

إذا لم يكن إلا الأسنة مركبا                   فلا رأْى للمضطر إلا ركوبهــا

*********

أيُ يومي من الموت أفــر                     يـــــــوم لا يقدر أم يوم قــــــــــــدَر

*********

إذا كان الداء من السماء بطل الدواء .

*********

قالت الحائط للوتد : لم تشُقّنى ؟ قال : سل من يدقنى.

*********

الناس يلْحون الطبيب وإنما        غلط الطبيب إصابة المقـــــــــــــــــــــدور

*********

 

قيل لحكيم : أخرج الهم من قلبك ، فقال : ليس بإذنى دخل .

وإلى هذا نختتم بشميم من عبير الإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم رضى الله عنه من قصيدة له :

                                                                                                                وللحديث بقية بإذن الله تعالى 

 

[1])) سورة مريم آية 30 .

([2]) سورة طه آية 46 .

([3])  سورة النساء آية 108 .

([4])  سورة البقرة آية 30 .

[5])) سورة يونس آية 99 .

([6]) سورة غافر آية 15 .

([7]) سورة الرعد آية 2 .

([8])  سورة النحل آية 90 .

[9])) سورة البروج آية 16 .

[10]))  سورة الأنبياء آية 23 .

(([11]  سورة البقرة آية 257 .

([12])   سورة الشعراء آية 99 .

([13])  سورة القمر آية 47 .

([14])  سورة القمر آية 49 .