شارك المقالة:

 

بين قوَامَةِ الرَّجُل وطاعة المـــرأة

المرأة هي الدعامة الأساسية في استمرار الحياة الزوجية، فإذا صلحت صلح البناء، وإن فسدت فسد البناء، قد أوكل الله تعالى القوامة للرجل وأمر الزوجة بطاعة الزوج فقال تعالى: )الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ( (النساء:34).

 والقوَّام: يعني أنهم لهم الهيمنة عليهن قيامًا بجميع شئونهن، ولا يجوز للمرأة أن تتصرف في بيت الزوج ولا في أولادها منه ولا في نفسها هي أيضًا إلا بأمر زوجها بما له عليها من القوامة.

وقيل في معنى تلك الآية الكريمة (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء): الرجل قيِّم على المرأة يعني: هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت، وعن ابن عباس (ر): يعني أمراء عليهن، أي: تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله.

)بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ( أي: قائمون عليهن قيام الولاة على الرعية، في التأديب والإنفاق والتعليم، وهو تفضيل الله لهم على النساء بكمال العقل وحسن التدبير ومزيد القوة في الأعمال والطاعات، بِما أَنفَقُوا مِن أَموالِهِم في مهورهن، ونفقتهن، وكسوتهن،. فيجب على الزوج أن يقوم بالعدل في أمر نسائه.

 )فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ( يعني: الصالحة منهن قانتة خاشعة مطيعة للزوج )حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ(: أنها تحفظ غيبة زوجها حفظٍا يقتضى عفافها وحفظ ماله وولده، حفظت ذلك بحفظ الله: بما جعل الله فيها من الأمانة والحفظ، وبما ربط على قلبها من الديانة، أو بحفظها حق الله، فلما حفظت حقوق الله حفظها الله بعصمته، لقوله (ص): (احْفَظِ اللهَ يَحفَظْكَ).

  فمن كانت على هذا الوصف من النساء فيجب على الزوج حُسن القيام بها، ومقابلتها في القيام بما قابلته من الإحسان، وعنه (ص)  أنه قال: (إن أفضل ما يؤتاه الرجل بعد تقوى الله عز وجل امرأة صالحة، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته - أي: حفظته - في ماله وعِرضه).

 وكأنه تعالى يقول: الرجال قوامون على النساء، فمن كانت صالحة قام عليها بما تستحقه من حسن المعاشرة، ومن كانت ناشزة عاملها بما تستحقه من الوعظ وغيره.

 وهذا كله لا يعنى أن العلوَّ للرجل والدنوَّ لكِ أيتها الزوجة، فقد أعطى الله تعالى الرجل المؤهلات العضوية والنفسية والعصبية التى تعينه على أداء مهامه وتحمل عناء العمل والفكر وتكسبه المال لكي ينفق على أسرته، أما أنت أيتها الزوجة فلك مهام أخرى، فالحمل والوضع والإرضاع وتربية الأطفال والعناية بشؤون البيت: هي مهام وخصائص أوكلها الله إليك لكونك رقيقة وعاطفية، وبهذا تنتظم الحياة الزوجية.

عدم الإكثار من الخروج والزيارات:

حاولي أيتها الزوجة عدم الإكثار من الزيارات لصديقاتك وجيرانك وأهلك، فإن ذلك قد يتسبب في تعكير صفو الحياة الزوجية فيما بينك وبين زوجك ويؤثر على علاقتكما وعلى قدرتك علي رعاية أولادك وحسن تربيتهم، لذا لابد أن تكون هذه الزيارات في حدود المعقول، ولا تخرجي إلا بإذن زوجك، واعلمي قول سيدنا رسول الله (ص): (أيُّما امرأة خرجت مِن بيتِها بغير إذنِ زوجِها كانت فى سخط اللهِ حتى ترجعَ إلى بيتِها أو يرضى عنها زوجُها) .

وجوب اهتمام الزوج بزوجته:

عليكَ أيها الزوج الاهتمام بزوجتك، ويجب عليك أن تستمع لشكواها ولو كانت تلك الشكوى صغيرة أو بسيطة، فقد يكون ما تشكو منه كبيرًا عندها، فزوجتك تعاني من الوحدة في غيابك عنها، فاصغ إليها حتى لا تظن أنك تهملها، وعليك أن تهتم بالترفيه عنها، ومصاحبتها للتنزه والخروج إلى بعض الأماكن العامة كالحدائق والمنتزهات، وزيارة الأهل والأقارب، حتى تشعر زوجتك باهتمامك بها واشتغالك بما يسرها.

وأكثِرْ من شُكرِها على عملها وقيامها بواجبها داخل البيت، فهذا لا شك يدخل السرور على قلبها، وعليك باستشارتها والتحاور معها في شئون حياتكما، وإياك أن تتصرف معها على أنها مجرد عاملة أو خادمة في البيت، وكن لطيفًا في معاملتك معها، وافتح معها من الحوار ما يجعلها آنسة به، شغوفة بمجالستك، وهوِّن عليها ثقل ما تقوم به من أعمال منزلية بإظهار التقدير لها، والعرفان بقيمة ما تقدمه لبيتها وزوجها وأولادها، وأشعِرْهَا بأنوثتها بطيب الغَزَل وحسن المداعبة، وامدح كل ما يقدَّم لك منها من طعام وشراب، واثْنِ على ذوقها في ترتيب المنزل والاهتمام به، وحسن تدبيره والإشراف عليه.

الحذر من وسائل الإعلام:

وأنصح الزوجين معًا بالحذر من التليفزيون والإنترنت فإنهما يُضيعان الوقت ويُنسِيان الواجبات، والوقت مما يُسأل عنه العبد يوم القيامة كما قال (ص): (لا تزول قدمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمرهِ فيما أفناه، وعن جسدِه فيما أبلاه، وعن مالِه فيما أنفقَه ومن أين اكتسبَه، وعن حُبِّنا أهل البيت) .

ومن ناحية أخرى فإن وسائل الإعلام - في معظمها-  هي في الحقيقة تهدف الي هدم الفضائل والأخلاق الإسلامية الحسنة، والواجب علينا أن نكون واعين لما يُدَسّ فيها من مواد تعمل على فساد الأُسَر وليس على إصلاحها.

المشاركة في مواجهة متاعب الحياة :

ودور الزوجة هام في تخفيف آلام زوجها ومشاركته أعباء حياته بقدر الطاقة والاستطاعة، وأن تكون عونًا له في مِحَنه، وأذنًا صاغية ليبثها همومه وما يشغله، ويحكي لها ما يعانيه ويكابده، سواء في محيط عمله أو علاقاته بالناس في حدود ما يبيحه له الشرع الشريف، وعليها أن تشاركه بكلماتها الطيبة ومواقفها النبيلة، وتشجعه على تخطي العقبات، وتساعده على إيجاد حلول لمعضلات أموره، وعليها أن تسعى لتكون تلك المرأة التي يتحدثون عنها في المثل المعروف: "وراء كل عظيم امرأة"، فلتكونِي أنتِ أيتها الزوجة تلك المرأة بالنسبة لزوجك.

   وعلى الزوج أن يشارك زوجتَه مِحَنها، وأن يُشعرها بإحساسه برِقَّة مشاعرها، وأن يراعي حالتها النفسية عمومًا، وخاصة في تلك الفترة التي تعاني فيها من الأذى الذي يصيبها بين الحين والحين والذي أخبرنا الله تعالى عنه بقوله: )وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ( (البقرة:222)، وليتحمَّل الزوجُ انفعالاتها وعصبيتها، وليطيِّبْ خاطرَها، وليُوسِّعْ عليها في الإنفاق قدر وسعه، وليُلَبِّ لها ما استطاع مما يُدخل السرور عليها، وليُشْعِرها باهتمامه بها وسعيه لراحتها وسعادتها، وليَسْعَ لتصفية العلاقات فيما بينها وبين أهلها إن شَابَ صفو تلك العلاقات ما يعكِّر، وليكُنْ مروِّضًا لها ومعلمًا، وملقِّنًا لها من مكارم الأخلاق وفضائلها ما استطاع، بعيدًا عما قد يثير انفعالاتها أو غضبها، أو تحريضها على فعل أو قول ما لا يليق، خاصة مع الأهل والأقارب والجيران.

الحذر من الغضب:

عن أبى هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (ص): (ليس الشديد، بالصُّرَعَة، إنما الشديدُ الذى يملِك نفسَه عِندَ الغَضَب)،  وعن ابن عباس (ر) فى قوله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) "فصلت:34": الصبر عند الغضب، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا عصمهم الله وخضع لهم عدوهم (كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم) "فصلت:34" أى: قريب.

فما بالنا لو تحققت معاني تلك الآية الكريمة بين الزوج وزوجته.

فعلى الزوجين مجاهدة نفسيهما ليتحكما في الغضب، وعلى الزوجة أن تعلم أن زوجها يتعرض لمشقة في عمله، لتأمين النفقة عليها وعلى أولاده لينعموا جميعًا بحياة سعيدة، ودور الزوجة أن تقدِّر ذلك وأن تراعي مقتضياته، فيجد الزوج عند زوجته راحة البال والسلوى من عناء عمله وكده.

وعلى الزوجة أن تعتني بزوجها، وأن تواجه غضبَه بهدوء فإنه غضبٌ مؤقت، وقد يكون وراء ذلك الغضب عوامل خارجية لا دخل للزوجة فيها، فعليكِ أيتها الزوجة أن تتلمسِي أسبابَ غضبه في محاولةٍ لمعالجته، ليتحقق التوافق بينكما والرضا.

ولنتذكر قول المصطفى (ص): (ألا أخبرُكم بنسائِكم في الجنةِ؟ قلنا: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: وَدُود، وَلُود، إذا غَضِبَتْ أو أُسِيءَ إليها أو غَضِبَ زوجُها قالت: هذه يَدِي في يَدِك؛ لا أكتحلُ بغُمْضٍ حتى ترضَى) .

وإياكِ أيتها الزوجة أن تطلبي من زوجك شيئًا أثناء غضبه، لأن رده سيكون غالبًا بالرفض، وطلبك هذا وقت غضبه قد يؤلمه نفسيًّا ويوحي إليه أنك لا تهتمين بمعالجة أسباب غضبه وإنما يغلب عليك التفكير في مطالبِك أنتِ، وهذا يُشعِرُه بغصة ومرارة، وقد يستاء منكِ، وقد يوجه إليك عتابًا أو انتقادًا أو لومًا أو تجريحًا، وأنت في غنى عن كل ذلك، فاختاري الوقت المناسب لطرح ما تطلبين. قال رجل مخاطبًا زوجته:

خُذِي  العفو  منِّي  تستديمي  مودَّتي .. ولا تنطِقِى في ثورتي حين أغضبُ

ولا تنقريني   نقرك    الدف   مرةً ..   فإنك  لا   تدرين   كيـف  المُغَيَّبُ

ولا تُكثِرِي الشكوى  فتذهب بالهوى .. ويـأباك   قلبي   والقلوبُ  تُقَلَّـبُ

فإني وجدتُ الحبَّ في القلبِ والأذى .. إذا  اجتمعا  لم يلبث الحُبّ يَذهـبُ

وأنتَ أيها الزوج يجب عليك أن تكون حليمًا مع زوجتك، وإن غضِبَتْ فتحمَّلْ غضبَها، ولنَعْمَل بما أورده الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم (رضي الله عنه) في كتابه "الإسلام دين الله وفطرته التي فطر الناس عليها" أن الزوج إن كان من أهله زلة أو هفوة احتمل ذلك, ورفق بها ولم يعسفها, ففى الحديث: (خُلقت المرأةُ من ضلعٍ أعوج إن قوَّمتَه كسرتَه, وإن تركتَها استمتعتَ بها عَلَى عِوَج) "متفق عليه"، وفى لفظ حسن: (وكسرُها طلاقُها).

وقد كان أزواج النبي (ص) يراجعنه القول, وتهجره إحداهن يومًا إلى الليل, ودفعت إحداهن فى صدره فزجرتها أمها, فقال: (دَعِيهَا فَإنَّهُنَّ يصنعنَ أكثرَ مِن هَذَا) وجرى بينه عليه الصلاة والسلام وبين عائشة كلام, حتى أدخل أبا بكر  بينهما حكَمًا واستشهده, فقال لها رسول الله (ص): (تكلمين أو أتكلم؟) قالت: بل تكلم أنت ولكن لا تقل إلا حقًّا، فلطمها أبو بكر 0 حتى دمى فُوهَا وقال: (أي عدوةَ نفسِها, أو يقولُ غيرَ الحقِّ؟ بل أنتِ وأبوكِ تقولان الباطلَ ولا يقول رسولُ اللهِ (ص) إلا حقُّا - نصرةً لرسول الله (ص) وغضبًا له - حتى استجارت بالنبي (ص) وقعدت خلف ظهره, فقال له النبي (ص): (لَمْ نَدْعُكَ لهذَا, وَلَمْ نُرِدْ هَذَا مِنك). وقالت له مرة فى كلام: أنت الذى تزعم أنك نبى, فتبسم رسول الله (ص) حلمًا وكرمًا.

وكان (ص) يقول لعائشة (ر): (إنى لأعرفُ غضَبَكِ من رِضَاكِ, قالت: وكيف تعرفُ ذلك؟ قال: إن رضيتِ قلتِ: لا وإلهِ محمد, وإذا غضبتِ قلتِ: لا وإلهِ إبراهيم, قالت: صدقتَ, إنما أهجرُ اسمَك).

وقد كان (ص) يمزح مع أزواجه, ويقاربهن في عقولهن في المعاملة والأخلاق (كان رسولُ الله (ص) مِن أفكهِ الناسِ مع نسائِه).

وقال لقمان الحكيم: العاقل في بيته ومع أهله كالصبيّ, فإذا كان في القوم وُجد رجلاً: (إن اللهَ يبغضُ الجعظرىَّ الجوَّاظ) "أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق" قيل: هو الشديد على أهله, المتكبر في نفسه.

وكظم الغيظ برهان على جهاد العبد نفسه، مسارعة إلى نيل رضاء الله تعالى، وأعلى منه وأفضل أن يحسن إلى المسيء، قال رسول الله (ص): (أَحْسِنْ إلى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ).

فعلي الزوجين أن يستعيذا بالله من الشيطان عند الغضب، وأن يتوضآ ويصليا ركعتين، قال (ص): (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلِق من النار، وإنما يطفئُ النارَ الماءُ، فإذا غضِبَ أحدُكم فليَتَوَضَّأْ).

على الزوجين أن يتحاورا فيما بينهما:

وعلى الزوجين أن يحذرا الشجار أو إظهار الخلاف أمام غيرهما - خاصة الأولاد والأهل والجيران - وليَسْعَ الزوجان إلى إيجاد حلول لما اختلفا عليه فيما بينهما، وليُحَاوِلْ كلٌّ منهما أن يتناسى تلك الخلافات، فإن الزمن كفيل - بفضل الله تعالى - بمعالجة الكثير منها، والله يعينُكما دائمًا على الخير والبُعد عن الشر، حتى تكوِّنَا أسرة سعيدة، قائمة على الحب والتفاهم.

وإلى اللقاء في العدد القادم إن شاء الله