السيدة آمنة (عليها السلام)

01/03/2022
شارك المقالة:

النسب الشريف :

هي السيّدة آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، والدة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، يجتمع نسبها مع السيد عبد الله زوجها والد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلاب ، حيث إنّ أحد ابنيه قصي جدّ عبد الله ، والآخر زهرة جدّ آمنة.

اُمّها: برة بنت عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب.

فكانت السيدة آمنة (عليها السلام) من بنات أعمام السيدة عبد الله (عليه السلام) .

نور النبوة :

يقول الإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم : أَظَهَر ٱللَّهُ نُورَ نَبِيِّهِ ﴿صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ﴾ يَتَلأَلأَ فِى وَجْهِ وَالِدِهِ مَشْهُودًا،َوكَانَ عبْدُ ٱللَّهِ لِوَالِدِهِ بَرًّا وَدُودًا، وَخَيْرَ إِخْوَتِهِ حِلْمًا وَجُودًا، وَأَعَفَّهُمْ بُعْدًا عَنِ ٱلْغَزْلِ وَصُدُودًا .

تَعَرَّضَتْ لَهُ فَتَاةٌ جَمِيلَةٌ غَنِيَّةٌ كَامِلَةُ ٱلنَّسَبِ وَٱلْعَقْلِ قُرَشِيَّةٌ وَطَلْبَتُهُ عَلَى أَنْ تُعْطِيهِ مَالاً كَثِيرًا، وَتَمنَحُهُ إِنْ أَطَاعَهَا خَيْرًا وَفِيرًا، فَأَبَى إِبَاءَ مَنْ عَصَمَهُ ٱللَّهُ، وَجَعَلَهُ كَنْزًا لِحَبِيبِهِ وَمصْطَفَاهُ، وَتَمَثَّلَ قَائِلاً :

أَمَّا ٱلْحَرَامُ فَالْمَمَاتُ دُونَهُ    وَٱلْحِلُّ لاَ حِلٌّ فَأَسْتَبِينَهْ

فَكَيْفَ بِالأَمْرِ ٱلَّذِى تَبْغِينَهُ    يَحْمِى ٱلكَرِيمُ عِرْضَهُ وَدِينَهْ

تِلْكَ عِنَايَةُ ٱللَّهِ بِفَرْدِ ذَاتِهِ ٱلْمَحْبُوبِ، وَهُوَ فِى كَنْزِ ٱلْغُيُوبِ .

نقل المؤرخون أنّه كانت هناك امرأة تدعى فاطمة بنت مرّة قد قرأت الكتب واطّلعت على ما فيها من الوقائع المهمّة، وفي أحد الأيام التقت بعبد الله والد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقالت له : أنت الذي فداك أبوك بمائة من الإبل؟ قال: نعم.

فعرضت عليه نفسها ولو بالحرام مقابل أن تعطيه مائة من الإبل ، فتشاءم السيد عبد الله منها وقال ما سبق ذكره .

زواجها :

تزوجها السيد عبد الله وهو ابن ثلاثين سنة أو خمس وعشرين سنة.

يقول الإمام أبو العزائم : (مَنَحَ ٱللَّهُ ٱلعِنَايَةِ لِعَبْدِ ٱلْمُطَّلِبِ بِوَلَدِهِ عَبْد ٱللَّهِ، صَوْنًا لِسِيِّدِ رُسُلِهِ ٱلْكِرَامِ وَإِظْهَارًا لِعُلاَهُ فَاخْتَارَ لَهُ جَوْهَرَةَ كَنْزِ ٱلْمَجْدِ وَٱلشَّرَفِ، آمِنَةَ ٱبْنَةَ وَهْبٍ مَصْدَرَ ٱلْجُودِ وَٱلتُّحَفِ . فَتَزَوَّجَهَا لِيُظْهِرَ ٱللَّهُ مَكْنُونَ أَسْرَارِهِ، وَدَخَلَ بِهَا لِيُشْرِقَ ٱللَّهُ مِنْهَا شَمْسَ أَنْوَارِهِ . فَكَانَتْ أُفْقَ هَذَا ٱلْكَوْكَبِ ٱلْمُضِىءِ لِعَالِينَ، وَصَدَفَةَ دُرَّةِ عِقْدِ ٱلْمُرْسَلِينَ)[بشائر الأيار فى مولد المختار]

ثمّ إنّه ذهب مع أبيه فزوّجه آمنة بنت وهب، فبقي عندها يوماً وليلة، فحملت بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد ذلك رأته فاطمة بنت مرّة فلم تعرض عليه رغبتها الاُولى، فتسائل منها عن سبب إعراضها بعد رغبتها؟ فسألته: ماذا صنعت بعد ذهابك عنّا؟ فأجابها عبد الله : تزوّجت آمنة بنت وهب. فقالت: لله ما زهرية سلبت . ثمّ قالت: رأيت في وجهك نور النبوّة فأردت أن يكون فيّ، وأبى الله إلاّ أن يضعه حيث يحبّ، ثمّ قالت:

بني هاشم قد غادرت من أخيكم    أمينة إذ للباه يعتلجان

كما غادر المصباح بعد خبوه      فتايل قد شبّت له بدخّان

وما كل ما يحوي الفتى من نصيبه بحرص ولا ما فاته بتواني (مناقب آل أبي طالب)

بشائر الحمل بخير البرية :

يقول الإمام أبو العزائم (أَخْبَرَتِ ٱلْجَوْهَرَةُ ٱلْمَصُونَةُ آمِنَةُ ٱلزَّهْرِيَّةُ، بِالْبَشَائِرِ ٱلَّتِى كَانَتْ تَتَوَالَى عَلَيْهَا بِحَمْلِ خَيْرِ ٱلبَرِيَّةِ . وَهِىَ رِضَىَ ٱللَّهُ عَنْهَا مِنْ أَهْلِ ٱلْفَتْرَةِ ٱلنَّاجِيَاتِ، إِلاَّ أَنَّهُ ثَبَتَ إِسْلاَمُهَا بِمَا ثَبَتَ مِنْ أخْبَارِ ٱلنَّبَوِيَّاتِ.

قَالَتْ : إِنِّى أُوتِيتُ حِينَ حَمَلْتُ بِهِ ﴿ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ﴾ : فَقِيلَ لِى : إِنَّكَ قَدْ حَمَلْتُ بِسَيِّدِ هَذِهِ ٱلأُمَّةِ، وَقاَلَتْ مَا شَعُرْتُ بِأَنِّى حَمَلْتُ بِهِ وَلاَ وَجَدْتُ لَهُ ثِقَلاً، وَلاَ وَحَمًا كَمَا تَجِدُ ٱلنِّسَاءُ، إِلاَّ أَنِّى أَنْكَرْتُ رَفْعَ حَيْضَتِى، وَآتَانِى آتٍ وَأَنَا بَيْنَ ٱلنَّائِمَةِ وَٱلْيَقَظَةِ، فَقَالَ : هَلْ شَعَرْتِ بِأَنَّكِ حَمَلْتِ سَيِّدَ ٱلأَنَامِ ؟ ثُمَّ أَمْهَلَنِى، حَتَّى إِذَا دَنَتْ وِلاَدَتِى، أَتَانِى فَقَالَ : قَوْلِى : أُعِيذُهُ بِالْوَاَحِدِ، مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ، ثُمَّ سَمِّيهِ مُحَمَّدًا) .

وأَوْرَدَ ٱلإمَامُ بْنُ جَرِيرٍ، مِنَ ٱلْحَدِيثِ ٱلشَّرِيفِ فِى مَوْلِدِ ٱلْبَشِيرِ ٱلنَّذِيرِ، قَالَ بِسَنَدِهِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أن رَسُولِ ٱللَّهِ ﴿صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ﴾ قال : إِنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِى وَبْدَء َشْأِنى . أَنِّى دَعْوَةُ أَبِى إِبْرَاهِيمُ وَبُشْرَى أَخِى عِيسَى بْن مَرْيَمَ، وَإِنِّى كُنْتُ بِكْرَ أُمِّى، وَأَنَّهَا حَمَلَتْ بِى فَلَمْ تَجِدْ لِى ثِقَلاً، وَلاَ وَحَمًا كَمَا تَجِدُ ٱلنِّسَاءُ، ثُمَّ إِنَّ أُمِّى رَأَتْ فِى ٱلْمَنَامِ أَنَّ ٱلَّذِى فِى بَطْنِهَا نُورٌ، قَالَتْ : فَجَعَلْتُ أَتْبَعَ بَصَرِى ٱلنُّورَ، وَٱلنُّورُ يَسْبِقُ بَصَرِى حَتَّى أَضَاءَتْ لِى مَشَارِقُ ٱلأَرضِ وَمَغَارِبُهَا ..... الحديث)

ولادتها سيد الرسل :

لما أَنْ أَرَادَ ٱللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَتَجَلَّى بِالرَّحِيمِ ٱلرَّحْمَنِ، وَأَنْ يَظْهَرَ جَلِيًّا سُبْحَانَهُ بِالْمُنْعِمِ ٱلْحَنَّانِ ٱلْمَنَّانِ . أَكْمَلَ سُبحَانَهُ أَيَّامَ حمْلَهُ حَتَّى آنَ لِلْعَالَمِ أَجْمَعَ أَنْ يَفُوزَ بِأَمَلِهِ . كانَتْ أُمُّهُ ٱلطَّاهِرَةُ ٱلصَّفِيَّة، لاَ تُحِسُّ بِأَلَمِ ٱلْحَمْلِ وَلاَ تَشْعُرُ بِقُرْبِ ٱلْوَضْعِ بِخِلاَفِ ٱلْعَادَةِ ٱلمَرْعِيَّةِ، حَتَّى حَانَ أَنْ تُشْرِقَ تِلْكَ ٱلشَّمْسُ جَلِيَّةً، وَتَشْهَدَ لِلْعُقُولِ وَٱلأَجْسَامِ عَلِيَّةً، شَعُرَتْ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ لَيلَةِ ٱلإثْنَيْنِ ثَانِيَةَ عَشْرَة رَبِيعٍ ٱلأَوَّلِ عَلَى أَرْجَحِ ٱلأَقوَالِ ٱلْمَرْوِيَّةِ . وَهِىَ مُنْفَرِدَةٌ كَعَادَتِهَا، لَيْسَ مَعَهَا مَنْ يُعِينَهَا فِى حُجْرَتِهَا . إِلاَّ أنَ مَا تَوَالَى عَلَيْهَا مِنَ ٱلْبَشَائِرِ وَٱلْهَوَاتِفِ وَٱلرُّؤْيَا ٱلْمَنَامِيَّةِ، جَعَلَهَا مُنْشَرَحَةَ ٱلصَّدْرَ بِمَعُونَةِ رَبِّ ٱلبَرِيَّةِ.

وَبَيْنَمَا هِىَ بَيْنَ وَحْشَةِ ٱلْوِحْدَةِ وَٱلأَلَمِ، وَٱلأُنْسِِ بِمَا شَهِدَتْهُ إِذْ رُفِعَ لَهَا عَلَمٌ عَمَّ ٱلْخَافِقَيْنِ ضِيَاؤُهُ، وَأَدْهَشَ عَقْلَهَا بَهَاؤُهُ . وَإِذَا بِطُيُورٍ سَدَّتْ ٱلأَفاَق، تُرفْرِفُ بِأَجْنَحَتِهَا مُسَبِّحَةً لِلْخَلاَّقِ . فَنَظَرَتْ فَرَأَتْ نِسْوَةً أَحَطْنَ بِهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَظَنَّتَهُنَّ مِنَ ٱلْجِيرَانِ وَٱلأَقَارِبِ . وَقُلْنَ لَهَا نَحْنُ آسِيَةٌ وَمَرْيَمُ اِبْنَةَ عُمْرَانَ، وَمَعَنَا ٱلْحُورِ ٱلْعِينُ لِلتَّحِيَّةِ وَٱلإكْرَامِ .

وَمَعَ هَذَا ٱلتَّثْبِيتِ ٱلرُّوحَانِىَّ قَالَتْ آمِنَةُ – مِنْ حَدِيثِ ٱبْنِ عَبَّاسَ : ( لَمَّا أَنْ أَخَذَنِى مَا يَأْخُذُ ٱلنِّسَاءَ، وَلَمْ يَعْلَمُ بِى أَحَدٌ لاَ ذَكَرٌ وَلاَ أُنْثَى، وَإِنِّى لِوَحِيدَةٌ فِى ٱلمَنْزِلِ، وَعَبْدُ ٱلْمُطَّلِبِ فِى طَوَافِهِ، فَسَمِعتْ وَجْبَةٌ عَظِيمَةٌ وَأَمْرًا عَظِيمًا أَهَالَنِى، ثُمَّ رَأَيْتُ كَأَنَّ طَائِرًا أَبْيَضَ قَدْ مَسَحَ عَلَى فُؤَادِى فَذَهَبَ عَنِّى ٱلرُّعْبُ وَكُلُّ وَجَعٍ أَجِدُهُ، ثُمَّ ٱلْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بَشَرْبَةٍ بَيْضَاءَ فَتَنَاوَلْتَهَا فَأَصَابَنِى نُورٌ عَالٍ، ثُمَّ أُرِيتُ نِسْوَةً كَالنِّخْلِ طَوَالاً، كَأَنَّهُنَّ مِنْ بَنَاتِ مَنَافٍ يُحْدِقْنَ بِى، فَبَيْنَا أَنَا أَتَعَجَّبُ وَأَنَا أَقُولُ : وَاغَوْثَاهُ مِنْ أَيْنَ عِلِمْنَ، وَٱشْتَدَّ بِى ٱلأَمْرُ وَأَنَا أَسْمَعُ ٱلْوَجْبَةَ فِى كُلِّ سَاعَةٍ أَعْظَمُ وَأَهْوَلُ مِمَّا تَقَدَّمَ .

فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ، إِذَا بِدِيبَاجٍ أَبْيَضَ قَدْ سَدَّ بَيْنَ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ، وَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ : خُذَاهُ عَنْ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ، قَالَتْ وَرَأَيْتُ رِجَالاً قَدْ وَقَفُوا فِى ٱلْهَوَاءِ بِأَيْدِيهِمْ أَبَارِيقُ مِنْ فِضَّةٍ، ثُمَّ نَظَرْتُ، فَإِذَا بِقَطْفَةٍ مِنَ ٱلطَّيْرِ قَدْ أَقْبَلَتْ حَتَّى غَطَّتْ حُجْرَتِى، مَنَاقِيرِهَا مِنَ ٱلزُّمُرُّدِ، وَأَجْنِحَتُهَا مِنَ ٱلْيَاقُوتِ، فَكَشَفَ ٱللَّهُ عَنْ بَصَرِى، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، فَرَأَيْتُ ثَلاَثَةَ أَعْلاَمٍ مَضْرُوبَاتٍ ؛ عِلْمًا بِالْمَشْرِقِ وَعَلَمًا بِالْمَغْرِبِ وَعَلَمًا عَلَى ظَهْرِ ٱلْكَعْبَةِ، فَأَخَذَنِى ٱلْمَخَاضُ فَوَضَعْتُ مُحَمَّدًا ﴿ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ﴾ .

مشاهد السيدة آمنة بعد الولادة :

بِسَنَدِ ٱلْخَطِيبِ ٱلْبُغْدَادِى قَالَ قَالَتْ آمِنَةُ : [ لَمَّا وَضَعْتَهُ عَلَيْهِ ٱلصَّلاَةُ وَٱلسَّلاَمُ، رَأَيْتُ سَحَابَةً عَظِيمَةً لَهَا نُورٌ، أَسْمَعُ فِيهَا صَهِيلُ ٱلْخَيْلِ، وَخَفَقَانِ ٱلأجْنِحَةِ، وَكَلاَمُ ٱلرِّجَالِ حَتَّى غَشِيَتْهُ وَغُيِّبَ عَنِّى فَسَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِى«طُوفُوا بِمُحَمّدٍ ﴿ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ﴾ جَمِيعَ ٱلأَرْضِ،وَٱعْرِضُوهُ عَلَى كُلِّ رُوحَانِىٍّ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإنْسِ وَٱلْمَلاَئِكَةِ وَٱلطُّيُورِ وَٱلْوُحُوشِ، وَأَعْطُوهُ خَلْْْقِ آدَمَ، وَمَعْرِفَةَ شِيثٍ، وَشَجَاعَةُ نُوحٍ، وَخُلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَلِسَانَ إِسْمَاعِيلَ، وَرِضَا إِسْحَاقَ، وَفَصَاحَةَ صَالِحٍ، وَحِكْمَةَ لُوطٍ، وَبُشْرَى يَعْقُوبٍ، وَشِدَّةَ مُوسَى، وَصَبْرُ أَيُّوبَ، وَطَاعَةَ يُونُسَ، وَجِهَادَ يُوشَعَ، وَصَوْتَ دَاوُدَ، وَحُبَّ دَانْيَالَ، وَوَقَارَ إِليَاسَ، وَعِصْمَتَ يَحْيَى، وَزُهْدَ عِيسَى، وَٱغْمَسُوهُ فِى أَخْلاَقِ ٱلنَّبِيِّينَ » قَالَ : ثُمَّ ٱنْجَلَتْ عَنِّى فَإِذَا بِهِ قَدْ قَبَضَ عَلَى حَرِيرَةٍ خَضْرَاءَ مَطْوِيَةٌ طَيًّا شَدِيدًا يَنْبُعُ مِنْ تِلْكَ ٱلْحَرِيرَةِ مَاءٌ . وَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ : « بَخٍ بَخٍ !! قَبَضَ مُحَمَّدٍ ﴿ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ﴾ عَلَى ٱلدُّنْيَا كُلِّهَا لَمْ يَبْقَ خَلْقٌ مِنْ أَهْلِهَا إِلاَّ دَخَلَ طَائِعًا فِى قَبْضَتِهِ » قَالَتْ : ثُمَّ نَظَرَتْ فَإِذَا بِهِ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ ٱلْبَدْرِ، وَرِيحَهُ يَسْطَعُ كَالْمِسْكِ ٱلأَذْفَرِ وإِذَا بِثَلاَثَةِ نَفَرٍ فِى يَدِ أحَدِهِمْ إِبْرِيقَ مِنْ فِضَّةٍ، وَفِى يَدِ ٱلثَّانِى طَسْتٌ مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ وَفِى يَدِ ٱلثَّالِثِ حرِيرةٍ بَيْضَاء، فَنَشَرَهَا فَأَخْرَجَ مِنْهَا خَاتَمًا تَحَارُ أَبْصَارُ ٱلنَّاظِرِينَ دُونَهُ، فَغَسَلَهُ مِنْ ذَلِكَ ٱلإبْرِيقَ سَبْعِ مَرَّاتٍ، ثُمَّ خَتَمَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِالْخَاتَمَ، وَلَفَّهُ فِى ٱلْحَرِيرَةِ،ثُمَّ ٱحْتَمَلهُ فَأَدْخَلَهُ بَيْنَ أَجْنِحَتِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَدَّهُ إلىَّ].

رحيلها من الدنيا :

اخْرج أبو نعيم من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن أم سَمَّاعَة بنت أبي رهم عَن أمهَا قَالَت شهِدت آمِنَة أم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي علتها الَّتِي مَاتَت فِيهَا وَمُحَمّد غُلَام يَقع لَهُ خمس سِنِين عِنْد رَأسهَا فَنَظَرت إِلَى وَجهه ثمَّ قَالَت :

(بَارك فِيك الله من غُلَام ... يَا ابْن الَّذِي من حومة الْحمام)

(نجا بعون الْملك المنعام ... فودى غَدَاة الضَّرْب بِالسِّهَامِ)

(بِمِائَة من إبل سوام ... إِن صَحَّ مَا أَبْصرت فِي الْمَنَام)

(فَأَنت مَبْعُوث إِلَى الْأَنَام ... من عِنْد ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام)

(تبْعَث فِي الْحل وَفِي الْحَرَام ... تبْعَث بالتحقيق وَالْإِسْلَام)

(دين أَبِيك الْبر إبراهام ... فَالله أَنهَاك عَن الْأَصْنَام)

(ان لَا تواليها مَعَ الأقوام ... )

ثمَّ قَالَت : كل حَيّ ميت ، وكل جَدِيد بَال ، وكل كَبِير يفنى ، وَأَنا ميتَة وذكري بَاقٍ ، وَقد تركت خيرا ، وَولدت طهرا . ثمَّ مَاتَت فَكُنَّا نسْمع نواح الْجِنّ عَلَيْهَا فحفظنا من ذَلِك .

لمَّا بَلَغَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سِتَّ سنينَ، خرجَتْ به أُمُّه السيِّدةُ آمنةُ بنتُ وهبٍ إلى أخوالِه بني عَديِّ بن النَّجَّار تَزورُهم به، ومعه حاضِنَتُه أمُّ أيمنَ رَضي اللهُ عنها، وهم على بَعيرَين، فنَزَلَت به أُمُّه في دارِ النابغةِ عند قبرِ أبيه عبدِ الله بن عبدِ المُطَّلِب، فأقامَت به عند أخوالِه شهرًا، ثم رَجَعَت به أُمُّه إلى مكةَ. فلمَّا كانوا بالأبواءِ توُفِّيَت السيدة آمِنةُ بنتُ وهبٍ في العام 47 قبل الهجرة

رحلت إلى باريها بعد أن ولدت طهرا وتركت لنا خيرى الدنيا والآخرة

فسلام الله على سيدتنا آمنة الزهرية في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين

الشيخ / علاء فرج

لماذا الطريقة العزمية (23)

لما كان السالك في طريق الله تعالى لابد وأن يكون ملمًّا بما هو ضروري له في سيره وسلوكه؛ بيَّن الإمام المجدِّد السيد محمد ماضي أبو العزائم في كتابه: "دستور آداب السلوك إلى ملك الملوك" مفهوم السنة والإجماع والرأي وأسهم الإسلام، مما سنذكر بعضه، حتى تصح للمريد إرادته وتحسن بدايته، ويسير على الطريق المستقيم، سابحاً بفكره في بحار علوم الشريعة، ممتعة رُوحه بما يقوم به من عبادة وعمل، ساكنة نفسه بما يتحقق به كمال الإيمان وحق اليقين، قال تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وآله وسلم: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) "النحل:44"...