الإمام الحسين رمز الوحدة الإسلامية

05/03/2022
شارك المقالة:

الإمام الحسين ووحدة الأمة:

==============

كان الإمام الحسين يعيش الرسالة مجسدًا لها فى سلوكه ويعدها منهجًا فى حياته تمثل رضا الله سبحانه وتعالى، وأن رضا الله فوق كل شىء، لذلك كان يعيش أزمة ليست شخصية، بل رسالية، وقد عبر عنها بقوله: [ليرغب المؤمن فى لقاء ربه حقًّا، فإنى لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برمًا]، إنه ليس بتعبير عن حالة يأس ولكنه تعبير عن حالة رفض كامل، وأن الموت فى خط الجهاد يعتبر سعادة؛ لأن الإنسان يؤكد رسالته ويؤكد انتماءه وموقفه وعبوديته لربه، أما الحياة مع الظالمين دون أن يواجههم ودون أن يقوم بأى عمل، فإنها تمثل الحياة التى برم بها الإنسان، بمعنى أنه لا يشعر فيها بالحيوية ولا يشعر فيها بالحياة، لذلك كان الإمام الحسين يركز على هذا من خلال تصوير المسألة فى جانبها النفسى بالإضافة إلى الجانب الموضوعى [ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يُتناهى عنه]، ثم يقول: [ليرغب المؤمن فى لقاء ربه حقًّا، فإنى لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برمًا].

كان يريد أن يعمق الرسالة فى نفوس كل الذين ينطلق معهم، فعندما كان يقف مع معسكر ابن سعد فى كربلاء كان يعظهم بين وقت وآخر، وكان يحاول أن يضعهم فى أجواء روحانية وعظية تنقلهم إلى الآخرة وتجعلهم فى مواجهة حقارة الدنيا، ففى غداة يوم عاشوراء خاطبهم بقوله: [عباد الله اتقوا الله وكونوا من الدنيا على حذر، فإن الدنيا لو بقيت لأحد أو بقى عليها أحد كانت الأنبياء أحق بالبقاء وأولى بالرضا وأرضى للفناء، فجديدها بالٍ، ونعيمها مضمحل، وسرورها مكفهر، والمنزل بلغة، والدار قلعة، فتزودوا فإن خير الزاد التقوى، فاتقوا الله لعلكم تفلحون]. فلو كانت المسألة عند الإمام الحسين مجرد مسألة سياسية لكان تحدث معهم بلغة سياسية، فى حين نراه يتحدث معهم بلغة قرآنية وبلغة وعظية؛ لأن الإمام الحسين كان يعرف أن مشكلة المجتمع الإسلامى آنذاك - كما هى مشكلة المجتمع الإسلامى فى كثير من المراحل – هى إغلاق الناس لقلوبهم وعدم تفكرهم فى الآخر، واستغراقهم فى الدنيا. ولذلك عندما ندرس الكثير من كلمات الإمام الحسين فى مسيرته من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى كربلاء، نرى أن كل أحاديثه وعظية تفتح القلب وتفتح الروح؛ لأنه كان يريد أن ينتج مجتمعًا إسلاميًّا، صحيح أن الإمام الحسين لم يكن ليطلب الحكم لذاته، بل لرسالته ليغير الواقع من خلال تجربة الحكم. ولذلك لابد لنا أن نقرأ الإمام الحسين رسالة شاملة، فلا نقرؤه فى السياسة وحدها، ولا نقرؤه فى المأساة وحدها، ولا نقرؤه فى الكثير مما يتعارفه الناس، وقد قال الرسول الكريم فيه: (حسين منى وأنا من حسين)، فهذا الاندماج بين الرسول وبين الإمام الحسين لم يكن اندماجًا نسبيًّا، بل كان اندماجًا رساليًّا؛ لأن الإمام الحسين قد تحول إلى تجسيد للرسالة؛ لذلك فإن هناك رسالة اندمجت فى رسالة، فالإمام الحسين منه باعتباره انطلق من رسالة رسول الله فى وجوده الرسالى، (وأنا من حسين).

الإمام الحسين رمز الوحدة الإسلامية:

====================

يعد الإمام الحسين رمزًا للوحدة الإسلامية؛ لأن المسلمين جميعًا يجمعون عليه، ولذلك نحب أن ننبه على تعبير ينطلق فى كتب التاريخ وهو تعبير (يا ثارات الحسين) بأن علينا أن لا نجعل هذا التعبير يتحرك فى المستوى الشعبى الساذج ليتصور البعض أن هناك عددًا من المسلمين يتحركون للأخذ بثأر الإمام الحسين من ظالم قتله، ولكن نحن نعمل لثارات الإمام الحسين من كل مستكبر ومن كل طاغية ومن كل منحرف، ومن كل سلطان جائر يستحل حرم الله وينكث بعهده، ويخالف سنة رسول الله ويعمل فى عباد الله بالإثم والعدوان، فهؤلاء هم الذين نثأر للحسين منهم؛ لأن الإمام الحسين انطلق من خلال قضية تنطبق على الشخص الذى عاصره، وعلى أمثاله، سواء كانوا من المسلمين أم من الكافرين، وحتى القولة المعروفة: [السلام عليك يا ثأر الله وابن ثأره]، فثأر الله إنما هو من خلال أن الله سبحانه وتعالى يثأر لدينه ويثأر لرسالته ويثأر لكل أنبيائه وأوليائه، ولذلك فإن الثأر هنا لا يتصل بحالة خاصة، وإنما يتصل بالخط العام فى كل مواقع الحياة.

وعلينا أن نبقى الإمام الحسين عليه السلام فى عقولنا فى الدائرة الإسلامية الواسعة، وإذا كانت الدائرة الإسلامية الواسعة تنفتح على الدائرة الإنسانية الواسعة، فلأن الإسلام منفتح على الإنسانية كلها، وعند ذلك فإن الإمام الحسين لا يعيش فى الجوّ الشيعى فقط، ولكنه ينفتح على الجو الإسلامى كله وعلى الجو الإنسانى كله. ومن هنا نفهم الوحدة التى دعا إليها الإمام الحسين، والوحدة التى دعا إليها الأمويون، فالوحدة الحسينية تتحدث عن اجتماع الناس حول المبادئ والقيم التى علمهم إيَّاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأوصاهم بها: [إنما خرجت لطلب الإصلاح فى أمة جدى، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدى وأبى]، بينما كانت على النقيض تلك الوحدة الأموية التى دعا إليها يزيد بن معاوية، فهى القائمة على السيف، وقوة القهر، واستبداد الرأى.

وبالفهم الحقيقى لمعنى الوحدة التى دعا إليها الدين، نستوعب عناية الإمام الحسين بها، فلقد التزم طيلة عشر سنين بالقبول بخلافة معاوية التزامًا منه بالصلح الذى عقده الإمام الحسن معه، التزم بذلك بالرغم من مخالفة معاوية لجل شروط الصلح إن لم نقل جميعها، وخصوصًا بعد رحيل الإمام الحسن، كما وأن حركة الإمام الحسن كانت ملتزمة بطلب الحوار والقبول به إلى آخر لحظة من حياته، فبالرغم من كل مظاهر الاستعداد التى ظهر بها الجيش الأموى فى كربلاء للنيل منه، فإنه كان يعظ الناس من حوله ويدعوهم إلى تحكيم الدين والعقل، فيطلب منهم أن يذكروا نسبه تارة، ويجادلهم فى خيارات أن يتجه ركبه إلى يزيد حتى يحاوره باعتبارهما كلاهما من قريش، أو أن يرجع إلى مدينة جدِّه ما دام أهل الكوفة الذين أكثروا إليه كتبهم قد نكثوا بوعودهم، ثم يبدى أعلى درجات المرونة والمسئولية اتجاه الواقع الإسلامى ووحدته وسلامته عندما يطلب منهم أن يتجه إلى ثغر من ثغور المسلمين مجاهدًا ومدافعًا عن مصالحهم. ولكنهم كانوا يصدونه عن كل تلك الخيارات مشددين على رضوخ الإمام الحسين ونزوله على أمر أميرهم أو الشهادة، فما كان جوابه إلا أن قال: [ألا وإن الدَّعى بن الدَّعى قد ركز بين اثنتين، السِّلَّة أو الذِّلَّة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون]. فإن كانت المسئولية التاريخية اتجاه حفظ الإسلام فى قيمه الأساسية، وفى مفاهيمه المرتبطة بالحكم والمشروعية والكرامة تتطلب من الإمام الحسين الدماء، فهو على كامل أهبته لتقديم الدماء، ليكتفى بالنداء: [اللهم إن كان هذا يرضيك، فخذ حتى ترضى].

===========================

من كتاب #التقريب_مدخل_لوحدة_المسلمين

لسماحة السيد علاء أبو العزائم

لمتابعة المزيد عبر صفحة علوم الإمام المجدد:

www.facebook.com/mogadd

===========================