رسالة الإمام المجدد فى المناسك [3] أرْكانُ الحجِّ : الرَّكنُ الثانى ـ الطواف :

02/07/2022
شارك المقالة:

تعريف الطواف:

الطواف لغة: الدوران، وله معان كثيرة. واصطلاحا: المشى حول الكعبة بشروط مخصوصة.

كيفية الطواف:

تقدم أن الطواف هو الدوران حول الكعبة مبتدأ من الحجر الأسود إليه سبعة أشواط ، يفتتح من الحجر ويختم به، فيقبله إن أمكنه، ويستمله بيده ويكبر إن لم يتمكن من الاستلام إذا حاذاه كراهية أن يؤذى الطائفين معه ، قال رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ لعمر: ( يا أبا حفص إنك رجل قوي، فلا تزاحم على الركن فإنك تؤذى الضعيف،ولكن إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا كبر وامض ) رواه الشافعى وأحمد وغيرهما وهو حديث مرسل قوى الإسناد . وإذا تمكن الطائف استلم الحجر وقبله.

وفى حديث البخارى : سأل رجل ابن عمر رضى الله عنهما عن استلام الحجر فقال: (رأيت رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ يستلمه ويقبله ، قلت :أرأيت إن زوحمت؟ أرأيت أن غولبت ؟ قال ابن عمر : اجعل أرأيت باليمانى ، رأيت رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ يستلمه ويقبله ) وكلام الإمام ابن عمر يدل على المزاحمة لتقبيل الحجر أو استلامه وذلك لا يخالف ما سبق، لأن سيدنا الإمام ابن عمر رضى الله عنهما له شهود فى هذا المقام ، لا يجعله له صبرا عن تقبيل الحجر الأسود.

وقد روى سعيد بن منصور عن القاسم بن محمد قال: رأيت ابن عمر يزاحم على الركن حتى يرمى ، فقيل له فى ذلك قال : هويت الأفئدة إليه فأريد أن يكون فؤادى معهم ، وهذا دليل على شهود ابن عمر رضى الله عنهما يمين ربه ظاهرة لعيون روحه بدليل قوله:هويت الأفئدة إليه فأريد أن يكون فؤادى معهم. فالمسألة روحانية بوجه لا جسمانية ، وعلمه رضى الله عنه حجة لأهل الوجد الصادق من المواجهين بوجه الله العلي،والإمام ابن عمر رضى الله عنهما أكمل الناس خشية من الله وأدبا مع الله سبحانه ومع خلقه، وإذا اصطنع الله العبد أفناه عن حسه ونفسه.

الأركان التى تستلم فى الطواف:

قال مالك بن أنس بسنده عن هاشم بن عروة: إن أباه كان إذا طاف بالبيت استلم الأركان كلها، وكان لا يدع اليمانى إلا أن يغلب عليه فيكبر ويمضي. هذا وكان أخوه عبد الله يستلمها كما علقه البخارى ورواه ابن أبى شيبة، عن عبادة بن عبد الله ابن خضر أنه رأى أباه يستلم الأركان كلها وقال : إنه ليس منه شيء مهجور، وعورض بعمل رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾، وجمع بين عمل رسول الله وآل الزبير ما قاله ابن عمر رضى الله عنهما: إنما ترك ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ الركنيين الشاميين، لأن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم  فلما أتمه ابن الزبير رضى الله عنهما خرج إلى التنعيم واعتمر وطاف بالبيت واستلم الأركان الأربعة واستلم الطائفون بعد تمامه الأركان جميعها حتى قتل ابن الزبير.

والجمهور أخذوا بحديث ابن عمر وعمله من أنه لا يستلم إلا الأسود واليمانى ، وقد روى عن بعض الصحابة استلامها جميعها، وقد أجاب الإمام الشافعى بأنا لم ندع استلامها هجرا للبيت ، وكيف يهجره وهو يطوف به ؟ ولكنا نتبع السن فعلا أو تركا والأمر واسع للإختلاف فيه، والأولى الوقوف عند عمل رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ ، ما لم يشهد الطائف بالبيت سواطع أنوار الحضور مع رب البيت سبحانه.

طواف الحائض:

إذا حاضت المرأة يوم عرفة بعد رمى العقبة والطواف، تتم المناسك وترجع إلى أهلها ولا شيء عليها، كما حصل لأم المؤمنين السيدة صفية رضى الله عنها. فإن حاضت قبل العقبة قبل الطواف أو قبل العقبة بمزذلفة أو فوق عرفة، أدت جميع أركان الحج وعليها أن تمكث حتى تطهر وتطوف، لذلك يتعين على المرأة بعد رمى العقبة أن تسرع إلى الطواف خشية حصول الحيض، وكان النساء يتعجلن الطواف بعد العقبة تحفظا منه.

 

تقبيل الحجر الأسعد فى الاستلام:

بسند مالك رضى الله عنه فى الموطأ أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال وهو يطوف بالبيت للركن الأسود: (إنما أنت حجر،ولولا أنى رأيت رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ يقبلك ما قبلتك) ثم قبله رضى الله عنه.

لخطاب أمير المؤمنين الحجر إشارة غريبة، بينها قوله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾: ( إن منكم محدثين وإن عمر منهم ) وقول سيدنا موسى عليه السلام للحجر : (ثوبى يا حجر) عندما وضع ثوبه عليه ونزل البحر ليغتسل فأخذ الحجر الثوب وأبعد.وكلامه﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ مع قتلى بدر وهم فى البئر، فعمر ( محدث يسمع من كل شيء ويخاطب كل شيء ونقل عن الإمام أحمد : لا بأس بتقبيل منبر النبى ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ وقبره ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾. ونقل عن أبى الصيف جواز تقبيل المصحف وقبور الصالحين، واستنبط بعض أهل العلم جواز تقبيل من يستحق التعظيم من آدمى وغيره، شكرا لله تعالى على ما أنعم ، وتعظيما له سبحانه وتعالى فى ذات من عظمه سبحانه بعلم أو بتقوى أو بولاية أو بفضيلة.

وما ورد من معارضة سيدنا على ( لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب بقوله: ( إن الحجر ينفع ويضر لأنه يشهد لمن استلمه) فليست معارضة، فإن سيدنا عمر يقول : لا ينفع بنفسه ،وسيدنا على يقول: ينفع ويضر بإذن الله تعالى.

السهو فى الطواف:

إذا سها الطائف عن العدد حتى زاد أو نقص، فإن ثبتت الزيادة قطع وصلى، وإن تحقق النقص أتم. وإن، تردد بنى على الأقل كالصلاة ولا شيء عليه فى ذلك كله، ولا يحسب الزيادة المتحققة من سبع آخر . وجوز قرن الأسبوعين بعض العلماء وجعله خلاف الأولى ، وقد أورد ابن السماك بسند ضعيف عن أبى هريرة ، أن رسول الله ( طاف ثلاثة أسابيع جميعا ثم أتى المقام فصلى خلفه ست ركعات ، يسلم من كل ركعتين ، ولو صح فإنه لبيان الجواز.

ركعتا الطواف:

معلوم أن تحية مكة الطواف، والطواف إما أن، يكون سنة أو واجبا أو فريضة، فهو سنة لمن أهل بالعمرة، وواجب على من أهل بالحج أو أردف الحج على العمرة، فإنه يجب عليه دخول مكة لتأدية فريضة السعي، والسعى لا يقع فريضة إلا بعد طواف واجب، والسعى يقدم على الحضور بعرفة إلا لضرورة كخوف فوات الحج فإنه يؤخر.

ركعتا الطواف بعد تمام الطواف والدعاء بعده بما أحب، وفيه يبتدئ بالركعتين وصلاتهما واجبة ( لكل أسبوع تام) وتسن صلاتهما عند المقام، قال مالك فى الموطأ عن هاشم بن عروة عن أبيه أنه كان لا يجمع بين (السبعين) لا يصلى بينهما ركعتين ولكنه كان يصلى بعد كل سبع ركعتين وربما صلى عند المقام أو غيره (والسبع) أن يطوف بالكعبة سبع طوافات، والسنة أن يصلى الطائف لكل سبع ركعتين فلا يجمع بين سبعين وصلى لهما بعد تمامهما ركعتين لأنه ليس من السنة.

من سها فى العدد بعد صلاة الركعتين:

من سها فى العدد بعد صلاة الركعتين، رجع إلى اليقين فأتم طوافه وصلى الركعتين لأنه لا يعتد بهما قبل إتمام الطواف لأن الطواف كالصلاة كما تقدم، ومن أحدث فى طوافه أو بعده قبل صلاة الركعتين، أعاد الطواف كله ولا يبنى وصلى الركعتين بخلاف السعى بين الصفا والمروة فإنه يجب الوضوء قبله ولا يضر الحدث فى حال السعي.

ومن طاف بعد الصبح أو بعد العصر، أخر صلاة الركعتين إلى وقت حل النافلة وقد طاف عمر بن الخطاب بعد صلاة الصبح طواف الوداع، ثم نظر فلم ير الشمس فخرج من غير صلاة، ثم ركب راحلته ونزل (بذى طوى) صلى الركعتين رضى الله عنه. وكان ابن عباس رضى الله عنه يصلى الصبح ويطوف ويدخل حجرته من غير صلاة الركعتين.

ولا يجوز لمن أحب الطواف بعد صلاة الصبح أو بعد صلاة العصر أن يطوف إلا أسبوعا واحدا، لا يزيد عليه لكراهية جمع أسبوعين فأكثر قبل صلاة ركعتين متصلة ولا يطوف إلا بعد أن يصليهما بعد حلول النافلة صبحا أو غروبا، وصلاة ركعتين قبل المغرب سنة عمل بها الصحابة وقد ورد فيها أحاديث كثيرة، قال مالك بن أنس :ومن طاف بالبيت بعض أسبعه، ثم أقيمت صلاة الصبح أو صلاة العصر فإنه يقطع وجوبا ويستحب كمال الشوط ويصلى مع الإمام، ثم يبنى على ما طاف فيتمه حتى يكمل سبعا، ثم لا يصلى ركعتيه حتى تطلع الشمس وترتفع قيد رمح، أو حتى تغرب فيصليهما قبل صلاة المغرب، قال: وإن أخرهما حتى يصلى المغرب فلا بأس بذلك وهذا كلام مالك فى الموطأ مع تصريف فى البيان.

أنواع الطواف

أولاـ طواف القدوم:

قدمنا أن الإنسان يدخل مكة من طوى ويغتسل من بئرها، وإذا قرب من مكة يدخل نهارا من (كدا) طريق بين جبلين يهبط على المقبرة الشهيرة بروضة أم المؤمنين السيدة خديجة عليها السلام.

ثانياـ طواف الإقامة:

ويسمى طواف الزيارة ، وقد تقدم الكلام فى ذكر الطواف ، ولكن نورد ما لا بد منه، وعن مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب خطب الناس بعرفة وعلمهم أمر الحج، وقال لهم فيما قال: ( إذا جئتم منى فمن رمى الجمرة فقد حل له ما حرم على الحاج، إلا النساء والصيد والطيب حتى يطوف بالبيت ) ويعنى طواف الإفاضة، فالطيب حرام ، وقد ورد عن مالك أن الطيب مكروه وورد عن الشافعى وغيره أن الذى يحرم النساء فقط.

وقت طواف الإفاضة والرمي:

وقت طواف الإفاضة بعد طلوع الفجر من يوم النحر فلا يصح تقديمه على الفجر، وكذلك جمرة العقبة وقتها بعد طلوع فجر يوم النحر، ووجب تقديم جمرة العقبة على الحلق وعلى طواف الإفاضة، ووجب تقديم الرمى على طواف الإفاضة، ووجب تقديم الرمى على طواف الإفاضة، فمن حلق أو طاف قبل الرمى فعليه فدية، وما عدا ذلك فالأمر فيه واسع، فمن ذبح قبل الحلق أو حلق وذبح قبل الإفاضة فلا شيء عليه ما دام رمى.

وعمل يوم النحر أربعة بالترتيب: الرمي، فالنحر، فالحلق، فالإفاضة. ومن قدم شيئا منها قبل الرمى فعليه دم، وهذا معنى حديث: (ما سئل رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ عن شيء قدم أو أخر إلا قال: افعل ولا حرج)، وندب الطواف فى ثوبى الإحرام. وكل حصاة واجبة فمن أخرها عن وقتها فعليه دم، فمن أخر الحلق حتى قرب من بلده، أو أخرها إلى غروب اليوم الثالث بعد يوم النحر قيل:عليه فدية لقضائه فى غير أيام الرمى والحلق، كما لو أخر طواف الزيارة (الإفاضة)للمحرم، فعلية فدية لفعل الركن فى غير أشهر الحج، ولو أخر حصاة إلى غروب اليوم الثالث بعد اليوم النحر فعليه فدية لحصاة أو أكثر، ومن ترك الرمى إلى قبل غروب اليوم الرابع قضاها وعليه فدية، ووجب رمى الحاج الجمار بنفسه إلا لعذر فيستنيب وعليه فدية.

ثالثاـ طواف الوداع:

هو الطواف الذى يقوم به الآفاقى بعد تمام حجه وحال رجوعه إلى بلده، يسمى طواف الصدر بفتح الدال وهو الطواف الذى يصدر بعده الحاج إلى بلده بعد طوف الإفاضة. وهذا الطواف مستحب عند مالك وداود وغيرهما ولا دم فيه على تاركه، ولكنه يرجع له إن تذكره وهو بقرب مكة على مسافة ثمانية عشر ميلا تقريبا، لأن سيدنا عمر رضى الله عنه رد رجلا وهو بمر الظهران اسم واد قرب مكة على مسافة ثمانية عشر ميلاـ ليطوف طواف الوداع، تعظيما لشعائر الله تعالى لقوله تعالى ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾( الحج آية ٣٢ ) والشعائر جمع شعيرة يعنى التى أشعرها الحاج وجعلها هديا قال سبحانه وتعالى﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا﴾ أي: مكان حل نحرها ﴿إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾( الحج آية ٣٣ ) أي: عنده، فعظم البيت ومن تعظيمه وداعه قبل الخروج للسفر، ومن لم يودع البيت على قول أكثر العلماء فعليه دم.

ويكره كلام الطائف مع غيره، ويكثر الدعاء فى طوافه، والأولى الدعاء بما ورد فى القرآن والسنة كقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾( البقرة آية ٢٠١ ) وقوله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ ( إنى آمنت بكتابك الذى أنزلت وبنبيك الذى أرسلت فاغفر لى ما قدمت وما أخرت).

إشارات أعمال الطواف:

يقبل الحجر الأسعد الذى يجعل الله له يوم القيامة لسانا وعينين، فيشهد لكل من قبله تجديدا لعهد يوم (ألست)، الذى عاهدنا الله فيه على أن نفرده بالربوبية والقصد دون غيره، كما يقبل الرجل يمين متفضل عليه بأفضل النعم لاحظا كمال التنزيه فى مقام التشبيه. وفى هذا المقام مقام الفناء والجمع أو السكر تقوى عيون الروح حتى تحجب عيني البصر، حتى يكون المقبل أو المستلم كأنه يرى ربه، قال ﴿ صلى الله عليه  وآله وسلم ﴾: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه).

   فإذا قبل الحجر قوبل بالوجه، فأقبل بكليته على الله طائفا ببيته المعمور به سبحانه بروحه، وطائفا بمقام الخليل الجسمانى بجسمه وبمقام الخليل الروحانى بعقله، بجواذب العناية فى مقام الشهود وستر الوجود، فنفذ من أقطار السموات والأرض بسلطان اليقين الحق، وكل شوط يقبل اليمين استحضارا والحجر حضورا، وينفذ من سماء فيكشف الحجاب بكل شوط عن جارحة من جوارحه المجترحه، حتى يسمع بالله ويبصر بالله ويتكلم بالله ويبطش بالله، حتى يكون ربانيا فيقع فى إلهانية ( مصطلح صوفي معناه : أن يفنى العبد عن مقتضيات البشرية بظهور أنوار ربه ) الرب ومهيمنته بعد الهيمان فى أرقى مراتب الإحسان ومعارج مقامات الإيقان قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾( الأنعام آية ٧٥ ) فإذا أتم السبع بأركانه فى عيانه بعد بيانه، واجهه الله بوجهه العلى ناداه: سل ما شئت تعطه، لديها يأنس فيقول: أنت يارب محبوبى ووجهك الجميل مطلوبي. فينزل عليه السكينة فيحصل له البقاء بعد الفناء والصحو بعد السكر والفرق بعد الجمع، فيسأل الله بكلامه قائلا: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾( البقرة آية ٢٠١ ).

وهو المحبوب الذى يتكلم الله عنه وهو يتكلم عن الله، ولديها يدخل مقام الخلة روحا وجسما، وتشرف روحه على قدس الله الأعلى فيقف موقف العبادة بعد العبودية، فيجمله الله بجمال العبودة الخالصة لذاته.

فيصلى ركعتين مؤانسا على بساط المنادمة، ولديها يرى الله فى قبلته ما دام فى صلاته، فيلهم فى الركعة الأولى ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ لزجر المنازعة النفسانية، وإطفاء الشعلة الإبليسيلة وإخماد جمر الفطر الحيوانية مفكرا ذاكرا. وفى الثانية بعد الفاتحة (سورة الإخلاص) لما فيه من صفات الأحدية والنزاهة، مستحضرا حاضرا ذاكرا مذكورا. فإذا أتم صلاته وبلغ أمنيته أقبل بكليته على السعى بين الصفا والمروة، واقفا فوق جبل الصفا ليتجلى له ربه، فيدك جبل بشريته ويصعق نفس شهوته وحظه، لديها يدعو بما شاء وينزل مهرولا حتى يصل إلى المروة فيصعد عليها ، ولديها تسكن نفسه إلى الله تعالى ويتجمل بجمال المروة فيسأل الله ما يشاء ، فإذا أتم حجه حصلت المشاهدة ولديها يكون الكون كله معراجه يقربه إلى الله تعالى، وإنما كانت المجاهدة للمشاهدة، ومن جاهد غير ملاحظ للمشاهدة، ومسارع إلى نيلها غير ناظر إلى مجاهدته فى نظير مشاهدته، أضاع عمره سدى.

أَطُوفُ حَوَالِى كَعْبَةَ ٱلأَرْوَاحِ

                                  بِسَبْعِ صِفَاتٍ مِنْ ضِيَا مِصْبَاحِي

فَأَشْهَدُ أَنْوَارُ ٱلتَّجَلِّى جَلِيَّةً

                                    تُضِيءُ عَلَى رُوحِى مِنَ ٱلْفَتَّاحِ

فَأَسْعَى إِلَى نَيْلِ ٱلصَّفَا حَالَةَ ٱلْوَفَا

                                   وَمِنْ فَوْقِ عَرَفَاتٍ يُنَاوَلَ رَاحِي

وَفِى ٱلْجَمْعِ بَعْدَ ٱلْفَرْقِ فِى نُزُلِ ٱلْمُنَى

                                       أَحِجُّ نَعَمْ بِٱلرُّوحِ لاَ ٱلأَشْبَاحِ

رَمَيْتَ ٱلْمَبَانِى وَٱلْمَعَانِى تَلُوحُ لِي

                                              فَأَقْرَؤُهَا نُورًا بِلاَ أَلْوَاحِ

يُفَكَّ نَعَمْ إِحْرَامُ كَونِى وَنِسْبَتِي

                                     أَحِلُّ وَبَعْدَ ٱلْحَلِّ صَحَّ فَلاَحِي

وَهَذَا نَعَمْ حَجُّ ٱلأئِمَّةٍ وَمَنْ سَمَوْا

                                          وَمنْ أَقْبِلُوا بِٱلرُّوحِ لِلْفَتَّاحِ

صَلاَة عَلَى نُورِ ٱلْقُلُوبِ حَبِيبِنَا

                                        نَنَالُ بِهَا ٱلْبُشْرَى وَكُلَّ نَجَاحِ

من كتاب " هداية السالك إلى علم المناسك"

للإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم