قطوف من حياة سيد الشهداء فى ذكرى استقرار رأسه الشريف بالقاهرة

23/11/2022
شارك المقالة:

الحمد لله الذى إذا دُعى به على مغالق أبواب السماء تفتحت ، ومضائق أبواب الأرض انفرجت ، وعلى العُسَر تيسرت ، وعلى الأموات انتشرت ، وعلى البأساء والضراء انكشفت ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل صلواتك وأجزل كراماتك وعلى أهل بيته الأكرمين ، عيش العلم وموت الجهل ، الذين يخبركم حلمهم عن علمهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم ، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه ، هم دعائم الاسلام ، وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحق في نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية ، لا عقل سماع ورواية  ، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل.

وبعد 

نلتقى عبر تلك السطور مع واحد من أبرز نجوم أهل البيت المتلألأة فى كل جوانب العظمة الإنسانية ، ملهم للأحرار على مدار التاريخ البشرى ، مصباح هدى وسفينة نجاة وإمام خير ويمن وعز وفخر وعلم وذخر ، هو سيد شباب أهل الجنة وجده سيد المرسلين وخاتم النبيين وجدته المخصوصة بالسلام من رب العالمين ، والده إمام المتقين وقائد الغر المحجلين وأمه السيدة الزهراء سيدة نساء العالمين .

أخوه خاتم الخلفاء الراشدين والمصلح بين المسلمين وابنه زين العابدين وإمام الراكعين الساجدين ، وسلالته الطأهرة أئمة المسلمين سلام الله عليهم أجمعين ، سيدنا ومولانا الإمام أبو عبد الله الحُسين بن علي بن أبي طالب ، فمن هو الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبى طالب عليهم السلام وابن السيدة الزهراء بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، هو ريحانة الرسول وسبطه ووارثه وباب الوصول إليه ، يقول الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم :

سر الوصول إلى الجناب العالى **   حب النبي محمد والآل

منزلته عند رسول 

========

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( حسينٌ منّي وأنا من حُسين ، أحبّ الله من أحبّ حسيناً ، حسين سبط من الأسباط)[سنن الترمذي] ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (الحَسَن والحُسَيْن سَيِّدا شَباب أهْل الجنة)[صحيح رواه الترمذي وأحمد]

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة العصر ، فلما كان  في الرابعة أقبل الحسن والحسين حتى ركبا على ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما سلم وضعهما بين يديه ، وأقبل الحسين ، فحمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسن على عاتقه الأيمن ، والحسين على عاتقه الأيسر ، ثم قال : " أيها الناس ، ألا أخبركم بخير الناس جدا وجدة ؟ ألا أخبركم بخير الناس عما وعمة ؟ ألا أخبركم بخير الناس خالا وخالة ؟ ألا أخبركم بخير الناس أبا وأما ؟ هما الحسن والحسين ، جدهما رسول الله ، وجدتهما خديجة بنت خويلد ، وأمهما فاطمة بنت رسول الله  ، وأبوهما علي بن أبي طالب ، وعمهما جعفر بن أبي طالب ، وعمتهما أم هانئ بنت أبي طالب ، وخالهما القاسم بن رسول الله  ، وخالاتهما زينب ، ورقية ، وأم كلثوم بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جدهما في الجنة ، وأبوهما في الجنة ، وعمهما في الجنة ، وعمتهما في الجنة ، وخالاتهما في الجنة ، وهما في الجنة ، ومن أحبهما في الجنة

ولقد كانت حياة سيدنا الإمام الحسين كلها فداء وتضحية وعطاء ، فهو الكريم بن الكرماء وجده سيد الأصفياء ، ولقد كانت حياته كذلك ملحمة فى الفدائية ، فهو ابن أول فدائى فى الإسلام ، أبوه فارس الهيجاء علي بن أبى طالب الذى نام فى فراش رسول الله ليلة الهجرة

فكأن دأب الإمام الحسين عليه السلام يتلخص فى قوله :

سأمضي وما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه * وخالف مثبوراً وفارق مجرما

فإن عشت لم أندم وإن مت لم أُلم * كفى بك ذلا أن تعيش وترغما

فعاش حراً ولقى ربه عزيزاً .

استشهاده عليه السلام 

===========

فى العاشر من المحرم عام 61 من هجرة جده عليه الصلاة والسلام كانت موقعة كربلاء

لمّا نظر الإمام الحسين عليه السلام إلى جمع بني أمية كأنّه السيل رفع يدَيه بالدعاء وقال: (اللهمّ، أنت ثقتي  في كلّ كرب، ورجائي في كلّ شدّة ، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ، ثقة وعدّة  ، كم من همٍّ يضعف فيه الفؤاد ، وتقلّ فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدوّ، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبةً منّي إليك عمَّن سواك ، فكشفته وفرّجته، فأنت ولي كلّ نعمة ومنتهى كلّ رغبة) ، وهكذا كانت آخر لحظات عمره فى دار الفناء متعلقاً بمولاه ، ليحيا به ما دامت الأرض والسماء ، وبعد ذلك يكتب له مولاء جمال ورضوان اللقاء ، فكانت حياته عزاً ، وكان انتقاله شرفاً يتمناه كل حر أبي النفس لا يرضى الضيم ، ولا يعيش كما يعيش الجبناء.

فسلام الله على سيدنا الحسين يوم ولد ، ويوم دافع عن دعوة جده ويوم كتب الله له اللقاء.

رأس الإمام الحسين 

=========

ننتقل مع رأس الإمام فى رحلة كتب الله لها الخلود حتى تستقر فى الباب الأخضر بقاهرة المعز لدين الله الفاطمى ، فلقد حاول البعض أن يخفى تلك الحقيقة أو يضلل الناس عنها ، لكن الله قدر الأقدار ، وألهم رجال من عباده لحفظ سيرة أهل البيت والصالحين والدفاع عنها فى كل زمان .

وقد أَكَّدَ استقرار الرأس بمصر أكبر عدد من المؤرخين، منهم : ابن إياس في كتابه، والْقَلْقَشَنْدِي في «صبح الأعشى»، والمقريزي الذي عقد فصلًا في خططه المسمى «المواعظ والاعتبار» ص427، وص428، وص430 يؤكد رواية (ابن مُيَسَّرٍ) أن الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي، هو الذي حمل الرأس الشريف على صدره من عسقلان، وسعى به ماشيًا حيث وصل مصر يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة 548 هجرية، وحلت الرأس في مثواها الحالي من القصر يوم الثلاثاء 10 من جمادى الآخرة سنة 548 هجرية عند قُبَّةِ باب الديلم، حيث الضريح المعروف الآن بمسجده المبارك، وكذا السَّخَاوِي -رحمه الله- قد أثبت رواية نقل رأس الحسين إلى مصر.

كما نقل في أواخر «بحر الأنساب» ما ملخصه -بتصرف- أن العلَّامة الشبراوي (شيخ الأزهر لوقته) ألَّف كتابًا أسماه «الإتحاف» أثبت فيه وجود الرأس بمقره المعروف بالقاهرة يقينًا، وذكر أن مِمَّنْ أثبتوا ذلك السَّادة الأعلام:

(1) الإمام المحدث الحافظ زَكِيُّ الدِّينِ الْمُنْذِرِيُّ. (2) الإمام المحدث الحافظ ابن دِحْيَةَ.

(3) الإمام المحدث الحافظ نَجْمُ الدِّينِ الغيطي. (4) الإمام مَجْدُ الدِّينِ بْنِ عُثْمَانَ.

(5) الإمام مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ. (6) القاضي مُحْيِي الدِّينِ بْنِ عَبْدِ الظَّاهِرِ.

(7) القاضي عبد الرحيم. (8) كما أكد هذا الشيخ عبد الله الرِّفَاعِيُّ المَخْزُومِيُّ في مؤلَّفِهِ.

(9) والشيخ ابن النَّحْوِيِّ في مؤلَّفِهِ. (10) والشيخ القُرَشِيُّ في مُؤَلَّفِهِ.

(11) والشيخ الشبلنجي في مُؤَلَّفِهِ. (12) والشيخ حَسَنُ الْعَدَوِيُّ في مُؤَلَّفِهِ.

(13) والشيخ الشَّعْرَانِيُّ في أكثر من مَؤَلَّفٍ. (14) والشيخ المُنَاوِيُّ في مَؤَلَّفَهِ.

(15) والشيخ الصَّبَّانُ في مُؤَلَّفِهِ. (16) والشيخ الأُجْهُورِيُّ في مُؤَلَّفِهِ.

(17) كما أكَّده الشيخ أبو المَوَاهِبِ التُّونُسِيُّ. (18) الشيخ أبو الحسن التَّمَّارُ.

(19) الشيخ شَمْسُ الدِّينِ البَكْرِيُّ. (20) الشيخ كريم الدِّينِ الخَلْوَتِيُّ

وتم الإجماع على أنَّ الرأس الطاهر وصل إلى القاهرة من عسقلان في (يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة خمسمائة وتسع وأربعين) فحمله الأمير (سيف المملكة مكين)، والقاضي (ابن مسكين) إلى السرداب الخلفي العظيم بقصر الزمرد، فحُفِظَ مؤقتًا بالسرداب من عاشر جمادى الآخرة في خلافة (الفائز الفاطمي) على يد وزيره (الصالح طلائع بن رزيك)، حتى بُنِيَ الضريح الحالي والقبة عند باب الديلم، الواقع وقتئذ في الجنوب الشرقي من القصر الكبير، والمعروف الآن بالباب الأخضر، فحمل الرأس الشريف من السرداب العظيم إلى هذا الضريح ، ودفن به في الثلاثاء الأخير من ربيع الآخر على المشهور من العام التالي، وهو موعد الذكرى السنوية الكبرى بمصر للإمام الحسين عليه السلام .  

ولقد أورد الإمام المسعودى فى مروج الذهب  حديث حضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : (الشفاء في تربته والإجابة تحت قبته والأئمة من ذريته أو عترته)

فسلام الله على حضرة سيدنا ومولانا الإمام الحسين يوم ولد ويوم نال الشهادة ويوم جاء مصر ، ليكون كعبة أرواح المحبين ، وقبلة قلوب العاشقين وبابنا إلى حضرة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيرا

والحمد لله رب العالمين