انتقال والده إلى جوار ربه

05/03/2021
شارك المقالة:

انتقل والده رضى الله عنه إلى جوار ربه فى 15 من ذى الحجة 1311 ( ا يوليو 1894) ببلدته محلة أبو على حيث سارع الإمام إليها و مكث بها أياماً، و لم يأخذ من تركة والده إلا مكتبته بعد أن استأذن زوجة أبيه فى ذلك فأذنت له، ثم عاد إلى المنيا ومعه إخوته ومن وافقه على السفر معه ليقوم بشأنهم حيث بلغ عددهم خمسة عشر فرداً بين صغير و كبير و منهم أخوه السيد ابو الحمائل و أخته السيدة شفيقة.

و بدأ الإمام رضى الله عنه فى سنة 1311هـ يدعو إلى الله تعالى و يهدى إلى الصراط المسقيم و يلقى دروسه بالمساجد و يملى مواجيده بين تلاميذه و مريديه الذين اجتمعوا حوله للتلقى منه، فأملى عليهم آداب الطريق إلى الله تعالى وأسس السير فيه، و أملى صيغاً فريدة من الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، و جعل يرشد على السلوك الموصل إلى رضوان الله و محبته بالذكر و العبادة و تطهير القلب و تزكية النفوس و مكارم الأخلاق و الحب للناس كافة، فهيمنت علومه على جماهير المسلمين فى المنيا و ما حولها، وأطلق على جامعته التربوية الدينية اسم (جماعة آل العزائم) التى وافق توقيت الإعلان عنها ميلاد أكبر أبنائه وهو سماحة السيد أحمد ماضى أبو العزائم حيث ولد يوم الخميس 23 جمادى الآخرة 1312 الموافق 20 ديسمبر 1894 بمدينة المنيا.

اختلى الإمام بزاوية سليمان محفوظ و قام على خدمته بها الشيخ محمد دياب المدرس بمدرسة المنيا الابتدائية. و فى الزاوية التقى الإمام بالشاب الصغير محمد طنطاوى الذى كان يقوم بتحفيظ القرآن الكريم، و لعذوبة صوته طلب منه الإمام الإنشاد على الحضرة وسماه (أمير أهل الغرام) و ناداه فى قصيده مطلعها:

غـن لى يا أمير أهل الغـرام        فالأغانى يلذ  لى  فيها  مُدامى

غـن لى فالجميل لاح لروحـى        بالتجلى من  ظاهـر من سـلام

أسـكر الروح من جمـال تراءى        لأولى العشـق فى علىّ  المقـام

يـا آل حبى ذكر الحبيب شفانى        حال ذكرى أرى الحبيب أمامى

 

وأصبح للإمام إخوان كثيرون بالمنيا والبلاد المجاورة مثل: إتليدم و المطاهره وطهنشا والدير و بنى أحمد وريدة و الفجاعى و الخيارى و أبو قرقاص و سمالوط  و شوشه و آبا الوقف وبنى عمران و تانوف و بان العلم و بنى مزار .. يطلبونه لسماع العلم و الحكمة نذكر منهم السادة: رشوان حسين، و على سالم، و محمد دياب، و محمود الطوبجى، و إسماعيل الطوبجى، و محمد سلامة، و عثمان بقوش، ومحمود حسن، و عبد السلام محمد، و يعقوب زعويل، و محمد أبو السيد، و خلف مخلوف، و على الفولى، و أبو الليل على مهدى، ومحمد أبو شريف، و أحمد عبده، و أحمد رمضان، و محمد العوام، و على أبو الليل، و محمد المقرحى.

وكانت دعوة الإمام تعتمد فى إنتشارها فى هذه البلاد على الرجال الذين اتبعوا هذه الدعوة وقاموا كدعاة، ومن هؤلاء الرجال السادة على سالم و أبو الليل على مهدى، و محمد أبو السيد، و كانت قصائد الإمام يتغنى بها محمد طنطاوى، و أحمد عبده، وأحمد رمضان.

و كان الإمام مقيماً بالمنيا بمنزل حسن أفندى النشرتى بجوار مسجد أوضا باشا، ثم ضاق هذا المنزل بالإخوان، فطلب الشيخ على أبو الليل من الإمام الإذن بأن يبنى له منزلاً بالمطاهرة ليسع الإخوان جميعاً. وفعلاً تم البناء و أقام الإمام و الأسرة كلها بالمطاهرة، و كان يذهب إلى عمله صباحاً بعربة حنطور أهداها له حسين بك مدنى الشريعى. مما هو جدير بالذكر أن على بك شعراوى كان ولياً على أولاد سلطان باشا الذين يملكون مصنعاً لصناعة السكر. و كان يديره كوصى على القصر، وكان قد تعود عند بدء موسم القصب أن يدعو جميع أعيان المنيا و كبار الموظفين ورجال الدين إلى حفل يقيمه بداخل المصنع، و كان الإمام رضوان الله عليه ضمن المدعوين. و قد تعود على بك شعراوى أن يقدم للمدعوين فى هذا الحفل أكواب عصير القصب، و يمر هو بنفسه ليقدمها بيده للمدعوين. و لما وصل للمكان الذى يجلس فيه الإمام وقدم له الكوب إذ بالإمام يرفض قائلاً: أنا لا أشرب من أموال القصر إلا بعد أن تستأذنهما فى ذلك، فإن أذنا شربت و إن لم يأذنا فلا أشرب. فعجب على بك شعراوى لحرص الإمام على تعاليم الإسلام إلى هذه الدرجة، بينما كان من بين المدعوين بعض العلماء و القاضى الشرعى. و من وقتها واظب على بك شعراوى هو و غيره من وجهاء المنيا على دروس الإمام و على زيارته بمنزله بالمنيا و ذلك بعد أن استوعب هذا الدرس.

و فى ليلة ذكرى الإسراء والمعراج عام1312هـ ، و كان أتباع الإمام من الكثرة بمكان فى المنيا و البلاد المجاورة، سار الإمام فى مشهد مهيب بملابسه البيضاء وسط إخوانه حيث مر بالمدينة كلها و الإخوان ينشدون المواجيد التى أخذت بألباب الموجودين و المشاهدين. و قد انضم إلى هذه المسيرة الكثير إلى أن وصلت إلى المسجد الذى يلقى الإمام فيه دروسه، و أقام الذكر، ثم أحيا المناسبة بدرس عن الإسراء والمعراج كان بالروح و الجسم معاً، و ألقى كذلك حكماً كثيرة و مواجيد.

ومكث الإمام عامين بالمنيا التى كانت تمثل بداية دعوته، و كان لها و أهلها مكانة خاصة فى قلبه، و قد خاطبها على سبيل التجريد فقال:

 

أمنيـة :  دار الراح فيك  بلا  شـوب           سـقاه رسـول الله فى حضـرة القرب

أديرت  على الأرواح  بدءاً  فأسـكرت           رجالاً فهـاموا فى غـرام  وفى  حب

أمنيــة : بدءاً  كنت  حان  مدامـتى           تدار على  الأرواح  من عـالم  الغيب

أمنيـة : كنت  البدء  للعلم  والهـدى           وكم سـكر الأفراد  فيك  من  الشـرب

علوم  وعرفــان  وكشــف  مؤيـد           ونور  جـلى  قد  يلـوح من  الـرب

وكم  لاح   فيك  النــور  من  خيـر           فهيـم  أفـراداً  بكشـف  بلا  ريـب

ومنك  لقد  سـطعت  علـوم  عوارف           وفيك  نجوم   قد  تضىء   بلا  حجـب

أمنية :  لا  أنسـى   ليالـيك    التـى           بها أشرقت شـمس  الحقيقـة فى  قلبى

أمنية  :  لا  أنســى  جمـالاً  مؤيداً           يلوح من  الرحمن   فضلاً  بلا  سلـب

ولم   أنس  أيام   الصـبا  فى   جواذب           من  الحق  تجذبنى  إلى  حضرة  الرب

أعد  يا إلهى   النور  بالفضل  أشـرقن           ضياءك فى الأرجاء فى  الشرق والغرب

أعنى  على  الشـكر الجميـل  وعمنـى         وأهلى  و إخوانى   بفضلـك  يا ربـى