شارك المقالة:

كيف نتلقى التوحيد

أولا : الدرس الأول

أول درس من دروس التوحيد تلقته الأرواح من ربها عيانا وسماعا منه سبحانه فى يوم ﴿ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ﴾([1]) وهذا أول خمر أديرت على الأرواح فأسكرتها ، عاهد الله الأرواح ألا تغفل ولا تنسى ، ولكن الأشباح حجبت الأرواح فنسيت .

ثانيا : الدرس الثانى

يتلقاه المسلم من والديه بالتقليد والتسليم ، وبهما يسعد إن كانا مؤمنين ، أو يشقى إن كانا كافرين ، قال ﴿ صلى الله عليه وآله﴾  فى الحديث الطويل : ( وأبواه يهودانه أو ينصرانه ) .

ثالثا : الدرس الثالث

يتلقاه المسلم بعد البلوغ من العلماء الربانيين والأمناء العارفين الذين حصلوا هذا العلم من كتاب الله وسنة نبيه ﴿صلى الله عليه وآله﴾ ، ومن صحبة صفوة الله من خلقه وخيرته من عباده ، وهم أهل التمكين وحق اليقين بعد عين اليقين .

ومن تلقى هذا العلم من علماء الكلام ، أو من الفرق المتفرقة أهل الرأى والجدل والبحث والدلائل العقلية ، لم يفز بالتوحيد ، بل ارتد بالشكوك فى لبس من خلق جديد ، أعاذنى الله وإخوانى من أن نتلقى هذا العلم بموازين أهل الكفر بالله من اليونان والرومان والفرس ، ونترك ما جاءنا به رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله﴾ من عند الله .

رابعا : الدرس الرابع

يتلقاه المسلم من القرآن والسنة ذوقا وإلهاما ، حتى يبلغ درجة يقرأ القرآن فيسمعه من رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله﴾  ، ويرقى إلى مقام يسمع فيه من رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله﴾  فى حالة استحضار ، ولديها يتفضل الله تعالى عليه فيقربه قربا ينال به حالة روحانية يستظهر منها القرآن من الله تعالى .

وهنا نطوى بساط دروس التوحيد فى مقامات التمكين ، غيرة للأسرار العلية ، ورحمة بالعقول الإنسانية ، ومن طلب المزيد لزم أعتاب المرشد الكامل.

أنواع التوحيد

أولا : توحيد الإقرار

       ومأخذه قوله ﴿ صلى الله عليه وآله﴾ ) أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ( وهذا الإيمان يحفظ الله به العبد من ذل الكفر ، ويحفظ الله به ماله ودمه ولو لم يكن معتقدا ، ومن أقر دخل الجنة مهما كانت ذنوبه ، فالإقرار بالتوحيد نجاة فى الدنيا من كل شدة ، وفوز بالجنة يوم القيامة إن غفر الله له ذنوبه ، أو رجوعه إلى الجنة إن حاسبه الله عليها .

وقد ورد فى الأثر أن رجلا أقر بالتوحيد ولم يعمل خيرا ، فلما مات أمر أن يحرق وينشر فى الهواء والبحار ، فأمر الله تعالى الهواء أن يحفظ رماده حتى تقوم الساعة ، فسأله الله يوم القيامة لم أحرقت نفسك ؟ فقال : خجلا منك يا ربى لعظيم ذنوبى . فعفا عنه وغفر له ، ومن أقر بالتوحيد معتقدا وعمل بشرائع الإسلام دخل الجنة مع الذين يقولون : ﴿ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ﴾([2]) .

ثانيا : توحيد العلم

ومأخذه قوله سبحانه وتعالى : ﴿ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ ([3]) وهذا التوحيد ينتج الإيمان بعد وضوح الدلائل المشرقة فى الكائنات وشهود الآيات البينات ، وصاحب هذا التوحيد مؤهل للفقه فى دين الله ، وذوق أسرار القرآن المجيد وصحبة أبدال رسل الله ، بل وصحبة الوارث الفرد الجامع ، وإذا عمل هذا الموحد العالم بعلمه ، ذاق حلاوة الوحدة فى الكثرة .

ثالثا : توحيد الشهود :

مأخذه قوله سبحانه : ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ  الْحَكِيمُ﴾ ([4]) وهذا التوحيد الشهودى ثمرته الاستقامة وصاحبه يتمكن فى مقام الإحسان ، قال تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ  قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ ..﴾([5]) وهو الواصل المتصل ، بل هو نجم لآله وخلانه يسقى الماء واللبن ، ويمنح الفضل والمنن .

 

رابعا : توحيد وجود التوحيد

       مأخذه من قوله سبحانه وتعالى : ﴿ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾ ([6]) ووجود التوحيد يدار فيه خمرة المحبة بالعناية ، وتمنح فيه حلل الولاية ، وصاحبه جذب جذبة الخلة ، طمست بقية آثار بشريته الباطلة ، فإذا حفظ السر وقهر الحال اتحد بالمتعال ، لأنه رام فهام وكان فبان ، غار الحق عليه ، فأمسكه لديه ، قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِندَ  رَبِّكَ ﴾([7]) وقال سبحانه : ﴿ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾([8]) وهم القائمون لله بالحجة الموضحون للمحجة ، تجاوزوا الرسوم والجسوم والعلم والعرفان إلى مقام قاب قوسين ، اتباعا للحبيب الأكبر ﴿صلى الله عليه وآله﴾ ، وفى الأثر : " أوليائى تحت قبائى لا يعرفهم غيرى " إن صالت عليه صولة الاتحاد ، أو غمرته أنوار القدر ، غشته العزة بصفة البشر ، سر قوله : " مرضت فلم تعدنى ، وجعت فلم تطعمنى ، وعريت فلم تكسنى " وإن فاجأه متكبر بحرب ، أسرع إليه الرب ، معنى قوله ﴿صلى الله عليه وآله﴾ فى الحديث  القدسى : " من آذى لى وليا آذانته بالحرب " جمله بحلة الخلافة ، وتوجه بتاج أبدال أكمل مرسل ﴿ صلى الله عليه وآله﴾  ، وقوله تعالى : ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى ﴾ ([9]) وقوله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾([10]) وصاحب هذا المقام عشق فاحترق ، وجذب فاصطفى وصوفى ، اضمحلت فى وصفه العلوم ، واندثرت فى آثاره الرسوم .

 

خامسا : محو التفريد بالتوحيد:

وهو النوع الخامس لا يسطر على صفحات الأوراق ، ولا يباح للعقول والأفهام ، لأنه محو التفريد بالتوحيد ، سر قوله تعالى : ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ ([11]) ولكنه يشم شميما من إشارات أهل التمكين ، فى حال اصطلام صولة الاصطناع وهى نتف من الإشارات لا تعقل ولا تذاق للنفوس ، قال تعالى : ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ ([12])

ومن نظر إلى الجديد لا يذوق حلاوة التوحيد ، والموحدون نظروا بعين المحبة الأزلَ ، أنه على ما هو عليه لم يزل ، ولكنهم ميزوا بين الحادث والقديم ، فلم يلتبس عليهم الأمر بخلق جديد .

 

                                        وللحديث بقية بإذن الله تعالى

 

([1]) سورة الأعراف آية 172 .

[2])) سورة الحاقة آية 19 .

[3])) سورة هود آية 14 .

[4])) سورة آل عمران آية 18.

[5])) سورة فصلت آية 30 .

[6])) سورة الأنعام آية 91 .

[7])) سورة الأعراف آية 206 .

[8])) سورة الشورى آية 22 .

[9])) سورة الأنفال آية 17 .

[10])) سورة الفتح آية 10 .

[11])) سورة الزمر آية 67 .

[12])) سورة العنكبوت آية 43 .