كيف تنهض الأمة

12/06/2021
شارك المقالة:

 بسم الله الرحمن الرحيم

   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ومولانا محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.

فى الحقيقة أن مصر في أيام الملكية كانت تمتلك بحثاً علمياً حقيقياً، وكان هناك علماء كبار جدا يتساوون مع علماء أمريكا وأوربا، مثل  د/ مصطفى مشرفة ، د/ جمال نوح ، د/ سميرة القاضى، رحمهم الله جميعا، وأساتذة كبار جدا كانوا موجودين في مصر وكانوا فى غاية التقدم العلمي، فلماذا لا يوجد الآن تقدم علمي ملموس؟.

   قام بعض أساتذة الجامعة بزيارتي فسألتهم عن سبب ذلك فقالوا: لسببين:

 السبب الأول: أنه كان هناك احتلالاً إنجليزياً لمصر، وكان الباشاوات يريدون أن يتخلصوا من الاستعمار الإنجليزي، والبكوات كذلك، والفلاحون كذلك، والعمال، فكان الباشا والبيك يدعمون اقتصاد مصر، لدرجة أن إنجلترا لما قامت الثورة كانت مدينة لمصر  بـ  20 مليون جنيه استرينى، وكان الجنيه المصرى يساوى الجنيه الإسترلينى، وكان الجنيه المصرى يساوى حوالي 5 دولار، لقد كان الناس يعملون لبناء هذا البلد لأنهم يشعرون بخطر العدو أمامهم .

   السبب الثانى: كان الولاء للأمة، فالكل يفكر فى التخلص من الاستعمار الإنجليزى، فلا ولاء لملك ولا لوزير ولا لصاحب عمل، ولكن العامل كان يعمل لتتخلص مصر من الاستعمار الإنجليزى، والفلاح يزرع ليتخلص من الاستعمار الإنجليزى، وكذلك البيك والباشا فكان الولاء للأمة وليس لأفراد .

   والآن يوجد الاحتلال الإسرائيلي وعلى بعد 1 سم أو 0.5 سم وهو سمك السلك الشائك الذى بيننا وبينهم، ويوجد الاستعمار الأمريكي.

   لقد بينت بعض الصحف أهداف أعدائنا: فلسطين هي الهدف التكتيكي، والسعودية هدف استراتيجي، والجائزة الكبرى هي مصر، وهذا يعنى أن مصر فى أذهانهم، أي أنهم قادمون قادمون، وأخشى ما أخشاه أن تكون فلسطين هي الأولى، والعراق هي فلسطين الثانية، ومصر هي فلسطين الثالثة.

 

   الإخوة العراقيون تركوا بلدهم وباعوها لليهود، ويأتون يشترون أراضى وأبنية في مصر وبأى ثمن، ونحن بعنا شركاتنا وكل ممتلكاتنا ولا نعلم أين ذهبت، ومن الذي اشتراها، ولكن نفس التكتيك الذى حدث فى فلسطين حدث فى العراق، ويحدث في مصر، ونحن بالضبط مثل الذبيحة التى تنتظر ذبحها، ولا يوجد تخطيط كيف نتقدم؟ ولا فكر كيف نخلص لبلدنا؟ ولا لأي شيء .

    منذ فترة عملت جريدة الأهرام إحصائية بعدد الأثرياء فى مصر بداية ممن يمتلك حوالى مليار فما فوق فكانوا 100 ألف مصرى . وسألني سائل: هل تعلم من أين أتوا بهذه المليارات؟ قلت: لا، فقال: 50 % منهم من تجارة المخدرات، و49.999% من سرقة الدولة، يعنى يبقى 0.001 % أتوا بها من حلال ومن عرقهم، قال: نصف من جاءوا بها من حلال لا يصلون ولا يصومون ولا يعرفون ربنا ولكن شرفاء فى التجارة، والنصف الباقى يصلى ويصوم ويعرف ربنا، نصفهم وهم حوالى 25 فردا يعطى حق ربنا من ماله ولكن ليس له دخل بالأمة ولا بمستقبل البلد وهو شريف ونظيف، والـ 25 الباقون هم الذين يهتمون بالأمة ويتمنون أن يروا مصر فى عظمة، ولكن ماذا يفعل 25 في سبعين مليونا .

   إن هَمَّنا إلى جانب الدين أن تتحول مصر إلى دولة منتجة ودولة علمية.

قلت مراراً وتكراراً وأقولها باستمرار إن من الممكن أن جزءا من زكاتنا يخصص لمراكز البحوث العلمية، فلو أن كل واحد دفع عُشْرَ زكاته لمركز من مراكز البحوث ونحن عندنا 20  مليار جنيه زكاة جمهورية مصر العربية، يعنى 2 مليار جنيه لو خصصت لمراكز البحوث العلمية، أعتقد أنه سيظهر في مصر ليس أقل من مائة مثل الدكتور أحمد زويل، بالإضافة إلى أن أحمد زويل وأبناؤنا بالخارج المعروفون سيتمنون -عند ذلك- الرجوع إلى مصر للمشاركة في هذه النهضة العظيمة.

   أيام عبد الناصر قام  بمشروع ضخم ولكن كان مشروعا فاشلاً، وهو ترجمة الكتب العلمية والمراجع العلمية الموجودة فى العالم بقدر المستطاع، وترجموا كتب كثيرة جدا ولكن كان فاشلا لأن هذه الكتب لم يراجعها أحد، فكانت الترجمة  حرفية،  فهل ستصل المعلومة لذهن القارىء كما يجب أن تصل؟ لقد عاصرت هذه التجربة، حيث كان مقرر علىّ كتاب اسمه "الصخور النارية"  ترجمة الدكتور العقاد.

 

   العقاد درَّس لي في السنة الثانية الصخور النارية، وكذلك في السنة الرابعة كلية العلوم  درس لى الصخور النارية في مصر، الصخور النارية فى مصر كان باللغة الإنجليزية وفهمناه وذاكرناه بالإنجليزية، أما الصخور النارية فى السنة الثانية علوم كنا نسأل زملاءنا هل تفهم شىء من هذا الكتاب؟ كأنك تقرأ باللغة العربية لغة هيروغليفية أو لغة ليست موجودة فى العالم كله، لأن العقاد أعطي الكتاب لمعيديه ليترجموه، ولكن لم يراجع المادة العلمية.

   فضيلة الأستاذ مسعود حجازى يقول إن هناك مشروع ترجمة ألف كتاب يقودها واحد اسمه جابر عصفور -هو من المفسدين فى الأرض- وبالطبع لن يترجم كتابا علميا، ولكن ممكن كتاب جنسي، أو عن فنون المخدرات وكيف تشربها، أوفنون الرقص.

    ذات مرة اشتريت كتاباً من الكتب التي كانت تصدر في مهرجان القراءة للجميع اسمه "علموا أولادكم الشعر" أنا شخصيا أحب الشعر وأحفظ منه قصائد كثيرة، فقرأته فوجدت الرجل قد جمع سواقط الشعر، أي أن أحمد شوقى مثلا يصف راقصة ترقص أمامه-يعنى شعر جنسي- فلما عمل أحمد شوقي ديوانا لم يضعها فيه لأن هذا عيب، ولكن فضيلة الشيخ أحمد عبد المعطى حجازى -وهو أيضا من المفسدين فى الأرض- أتى بسواقط الشعر السافلة لجميع الشعراء وجمعها وكتب: "علموا أولادكم الشعر" يصف فيه كأس خمر وغير ذلك.

    هؤلاء المفسدون فى الأرض لا يريدون مصلحة بلد، ولا مصلحة أمة، ولكن يريدون أن تفسد الأمة لتكون ضعيفة ومنهارة بحيث عندما تكون فلسطين الثالثة تكون سهلة على اليهود، فكما يفعل اليهود فى فلسطين، يُفعل فينا أيضا من اليهود والأمريكان.

     هناك قصة أقولها باستمرار لنأخذ منها درسا وعبرة، هذه القصة ليست عن نبى ولا ولىّ، ولكن عن كسرى فارس، رأى رجلا ذات مرة يزرع نوى النخيل فوقف يضحك، لأن الرجل كان عمره 80 سنة وقال: هل ستعيش إلى أن تأكل من هذا النخل؟ فقال له الرجل: زرَعَ مَنْ قَبْلنَا فأكلْنَا، ونحن نزرع لمن سيأتون بعدنا.

 

   إني أتمنى أن كل مصرى يقول: ماذا زرعتُ لأولادي؟ أتمنى أن كل مسلم يقول: ماذا زرعتُ لأولادي؟ أبى وأبوك زرعوا لنا وأكلنا، فماذا زرعنا نحن؟ الإجابة عند كل واحد فينا، المفروض يٍسأل نفسه هذا السؤال، فإذا لم يكن قد زرع فليبدأ، وليزرع.

   القصة الثانية عن كسرى أيضا: جاءه رجل فقال له : لقد عرفتُ لعبة الحياة، فقال: كيف ؟ قال: الحياة عبارة عن حظ وكفاءة، قال: كيف ذلك ؟ فأراه الطاولة وقال له: هذا الظهر هو الحظ، والكفاءة في تحريك الطاولة بحيث تكسب أو تخسر، فأعطاه ألف دينار أو 10آلاف دينار، وبعدها بحوالي سنة جاءه رجل آخر وقال له: لقد عرفتُ لعبة الحياة، قال له: كيف؟ قال له: الحياة فرص من ينتهزها يكسبها، ومن لم ينتهزها يخسرها، ثم أراه لعبة الشطرنج فسُرَّ كسرى باللعبة وقال له: اطلب ما تريد، فقال الرجل: أنا طلبي تافه جدا وبسيط جدا، قال: وما هو؟، قال: ضع في أول مربع من رقعة الشطرنج حبة قمح واحدة، وفى الرقعة الثانية حبتين، وفي الرقعة الثالثة 4، وفي الرابعة 16، ثم 32، ثم 64، وهكذا ، ولكن كسرى أدرك المسألة، فهذه متوالية، فقال للرجل بعد أن أجرى حسابا لتلك المسألة: هذا طلب غير سهل، قال: لماذا؟ فقال له كسرى: عندما تصل إلى الخانة الـ 19 لن تكون هناك حبة قمح فى المملكة ولا عند فلاح فارسي، وبالتالي تكون قد احتكرت القمح، ولكن خذ هذا المبلغ.

 

   هذه القصة معناها: لو أننا جميعا بدأنا نفكر كيف نبنى مصر ونحن عددنا عشرة أفراد، وكل واحد بدأ يفكر بطريقته الخاصة كيف تُبنى مصر، كيف ينتهي الفساد الذي فيها،  ويكون ولاؤك لبلدك ولأمتك، وليس لرئيسك فى العمل أو صاحب العمل، لو فكر كل منا وكلم أخاه وكلفه أن يفكر، ستجد أنها نفس المتوالية الهندسية، ليست مصر فقط فى 19 يوما، ولكن يمكن العالم الإسلامى كله سيعرف كيف يكون ولاء هؤلاء الناس لهذه الأمة، وكيف تنهض هذه الأمة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.  

شيخ الطريقة العزمية

السيد محمد علاء الدين ماضى أبو العزائم