بناء البيت الإسلامي (7) :مرحلة الحمل

07/07/2021
شارك المقالة:

 

قال الله تعالى: )وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ( (لقمان: 14).

لقد بين الله تعالى فى هذه الآية الكريمة أن الأم إذا حملت تزداد كل يوم ضعفًا على ضعف، لأن الحمل كلما ازداد وعظم؛ ازدادت ثِقلاً، وقيل: المرأة ضعيفة الخِلقة، ثم يضعفها الحمل.

   وقد بيّن الله تعالى فى القرآن الكريم ما للمرأة من دور هام تشارك به زوجها حيث يبث الله منهما الذرية الآدمية ؛ قال سبحانه:  )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً( (النساء: 1).

   كما بيَّن سبحانه وتعالى مدة الحمل والفصال - أي: الرضاع - على أقل تقدير منعًا لسوء الظن بالمرأة، حتى يتحقق الرجل أن أقل مدة الحمل ستة أشهر؛ فقال تعالى: )وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً...( (الأحقاف: 15)، فلو تزوج الرجلُ امرأةً ووضعت بعد ستة أشهر؛ لا يسيء الظن بها لأن الغالب فى الحمل تسعة أشهر.

 رفع رجل امرأته لأمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب t, فقال: إن امرأتى ولدت لستة أشهر, فأمر أمير المؤمنين t بإقامة الحد عليها, فبلغ ذلك سيدنا عليًّا بن أبى طالب كرم الله وجهه , فحكم بأن الولد للرجل وأن المرأة عفيفة , وطلب منه أمير المؤمنين الحجة , فقال : قال الله تعالى: )وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً( (الأحقاف: 15)، وقال I: )وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ( (البقرة: 233)، فإذا أسقطنا حولين من ثلاثين شهرًا كان الباقى ستة أشهر، فكبر سيدنا عمر ، وقال : كاد عمر يهلك لولا علىّ . رضى الله عنهما.

ومن علامات الحمل انقطاع الحيض وألم الوحم، ومن علامات عدم الحمل نزول الحيض، ولكن هذه العلامات كلها لا تؤكد أن المرأة حامل ولا غير حامل، فإن كانت الزوجة قد قدَّر اللهُ لها الحمل فهناك أعراض تنتابها، ومعاناة تتعرض لها، يجب على الزوج أن يتعرف عليها وأن يتهيأ نفسيًّا للتعايش مع زوجته وهـى تتعرض لذلك، وأن

يحسن التعامل معها، ويعينها على أن يمُرَّا معًا من تلك المرحلة بسلام دون حدوث مشاكل قد تعكر عليهما صفو الحياة الزوجية. 

الأعراض الأولى التى تظهر على الزوجة الحامل:

1- التوعك: وهو شعور بالغثيان وحدوث القيء؛ ينتابها ذلك فى بعض الأوقات.

2- كثرة التبول: وهذا ليس له وقت محدد من اليوم، ويصطحبه آلام بسيطة أثناء التبول، ويرجع ذلك إلى زيادة حجم الرحم وتغيير وضعه مما يسبب الضغط على المثانة البولية.

3- الوحم: وهى اشتياق الزوجة الشديد لنوع من الأطعمة، أو الكره الشديد لبعض الروائح بسبب اضطرابات نفسية مما يسبب التوتر والقلق، وهذا يظهر على بعض الزوجات.

4- حدوث تغيرات بالثديين: حيث يزداد حجمهما، كما يفرزان فى بداية الحمل سائلاً شفافًا عديم اللون، وهذا بسبب التغيرات الهرمونية للجسم أثناء الحمل.

5- انتفاخ البطن: ويحدث نتيجة تجمع الغازات داخل الأمعاء مع زيادة ترسب الشحوم بجدار البطن.

6- الكَلَف: ويحدث عند بعض النساء - وهو شيء يَعْلُو الوجهَ كالسِّمْسِم، ولَوْنٌ بين السواد والحُمْرَة [مختار القاموس] - مما يسبب انزعاجًا شديدًا لبعض الزوجات، ويزول هذا اللون ويعود الوجه إلى طبيعته بعد الولادة، وقد يستمر عند بعض النساء إلى عدة شهور بعد الولادة.

فعلى الزوج الاهتمام بالزوجة فى هذه المرحلة، وأن يأخذ بيدها إلى الطبيبة - أو الطبيب المختص عند الضرورة - فإن هذا يجنب الزوجة الوقوع فى متاعب من الممكن أن تتلاشاها، فلا يجوز أن نتكاسل أو نستهين بالأمور حتى لا تتعرض الأم أو الجنين إلى الضعف أو المرض، أو يتعرض الجنين إلى نقص فى النمو، فيجب أن نحتاط لحماية صحة الأم والمولود معًا، وأن نداوم على الرعاية بهما أثناء الحمل بالمتابعة الطبية مع الأخذ بنصائح وتوجيهات الطبيب، والحرص على تناول ما يلزم من الأدوية والأغذية المناسبة.

الاهتمام بالعناصر الغذائية اللازمة:

   الزوجة الواعية تعلم أنه ليس من المهم أن تتناول كَمًّا كبيرا من الطعام، ولكن الأهم أن يحتوى الطعام على العناصر الغذائية التى يحتاجها جسمها وطفلها، والتى أهمها البروتينات والفيتامينات والحديد والكالسيوم، مع العلم أن الأمهات اللاتى يتناولن غذاءً مناسبًا أثناء الحمل وفقًا لإرشاد الطبيب تكون ولادتهن أكثر سهولة، كما يقل - أو ينعدم - تعرضهن لاحتمال حدوث ولادة مبكرة.

 

مراعاة الحالة النفسية والعاطفية للزوجة:

اعلم أيها الزوج: أن زوجتك الحامل تتعرض فى الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل إلى تغيرات عديدة، مما يؤدى إلى شعورها بالإرهاق والتعب والغثيان والاضطراب العاطفي، فيجب عليك مراعاة الحالة النفسية والعاطفية لزوجتك حتى تشعر بعطفك وحنانك عليها وحبك لها، وعليك أن لا تشعرها بأنك تتجنب مضاجعتها بسبب هذا الطارق؛ حتى لا يحدث اضطرابًا نفسيًّا عندها.

المعاشرة الزوجية فى مراحل الحمل:

فى الثلاثة أشهر الأولى من الحمل: تقل رغبة الزوجة فى الممارسة الجنسية، ويكون مزاجها غير معتدل، فيجب أن تتحمل أيها الزوج زوجتك فى تلك المرحلة من الحمل، فإن لم ترغب الزوجة فى معاشرتك فلا تظن أنها لا تحبك أو أن الحب قَلَّ بينك وبينها، أو أنها تختلق أعذارًا حتى تتجنب معاشرتك، بل عليك أن تتفهم حالتها، وتتعامل معها باللطف واللين، وتمنحها قدرًا كافيًا من الحنانة والرعاية.

وفى الثلث الثانى من الحمل: قد تزداد الرغبة الجنسية لدى الزوجة، ولكن هذا يتفاوت من زوجة إلى أخرى، وفى حالة المعاشرة أثناء الحمل ، على الزوج أن يكون رفيقًا بزوجته، وحذِرًا مما قد يؤدى إلى حدوث إجهاض.

وفى الثلث الأخير من الحمل: يجب على الزوج مراعاة الحالة النفسية والعاطفية لزوجته كما فى الثلث الأول، حيث تتراجع رغبة الزوجة فى الناحية الجنسية بسبب شعورها بالانزعاج والخوف من الولادة، أو بسبب كبر حجم بطنها، فلا يستحب أن تمارس أيها الزوج مع زوجتك أوضاعًا غير مناسبة حتى لا تصاب بمضرة، أو يتعرض الجنين لخطورة، ولا تنس أن تستشير الطبيب فى كل ما يعرض لك فى هذا الشأن.

وعلى الزوجِ أن يراعى هذه النصائح:

- الزوجة تحتاج أثناء الحمل إلى اللطف والمداعبة والتقبيل؛ سواء أعقب ذلك معاشرة زوجية أم لا، لأن هرموناتها تكون فى حالة غير مستقرة مما يشعرها بالضعف فى لحظات معينة.

وما على الزوج - خصوصًا فى تلك الأثناء - إلا التأسى بسيدنا رسول الله   الذى كان يمزح مع أزواجه، ويقاربهن فى عقولهن فى المعاملة والأخلاق، وفى الخبر: (كان رسولُ اللهِ
  مِنْ أفكهِ الناسِ مع نسائِه) ، وقال لقمان الحكيم: العاقل فى بيته ومع أهله كالصبى ؛ فإذا كان بين القوم وجد رجلاً.

- قد تكون المعاشرة أثناء فترة الحمل مفيدة للولادة خاصة فى الشهر الأخير؛ إلا إذا منع الطبيب ذلك.

- فى حالة الحمل الطبيعى المستقر الذى لا يصاحبه أى متاعب أو مشاكل؛ لا يؤثر الجماع على الجنين طوال فترة الحمل، ومع ذلك ينبغى الاعتدال فى الممارسة، وأن يرفق الزوج بزوجته عندما يغشاها، وأن يتجنب الأوضاع التى قد تؤدى إلى الإضرار بها أو بالجنين. 

الأسباب التى يجب فيها الامتناع تمامًا عن المعاشرة الجنسية:

- إذا شعرت الزوجة بألم أسفل البطن - خاصة إذا كانت قد تعرضت إلى الإجهاض قبل ذلك - فينبغى على الزوج الامتناع تمامًا عن المعاشرة وعرضها على الطبيب المختص لمعرفة سبب هذا الألم.

- نزول دم - ولو نقطة واحدة - من المهبل؛ فمن الممكن أن يكون السبب إجهاضًا أو سقوطًا بالمشيمة، وينبغى عرضها على الطبيب المختص.

- الإحساس بانقباضات فى الرحم مما قد يؤدى إلى ولادة مبكرة.

- نزول سائل من المهبل؛ فمن الممكن أن يكون هذا السائل هو الأمنيوسى المحيط بالجنين، فالمعاشرة الجنسية فى هذه الحالة قد تتسبب فى حدوث ولادة مبكرة أوحدوث التهابات فى الرحم وأضرار بالجنين.

أيها الزوج المسلم:  

   احذر أن تتشبه ببعض الأزواج الذين تجردوا من الدين أو الأخلاق أو الإنسانية؛  فيهملون زوجاتهم ويتركونهن بدون رعاية فى هذه المرحلة ، فإن الزوج المسلم مطالَب بأن يراعى ما يمليه عليه دينُه وخُلُقه، وأن يتعامل فى هذه المرحلة بفطنة وحكمة حتى يدوم الاستقرار بينه وبين زوجته؛ بقيامه بما يجب لها عليه.

واعمل بنصيحة سيدنا رسول الله  : (خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي، ما أكرم النساءَ إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم) [الحاكم وابن عساكر] وقوله  : (رفقًا بالقوارير).

فهلاَّ تأسينا بسيدنا رسول الله   لكى تستقيم الحياة الزوجية بالحب والمودة والرحمة كما قال سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز: )وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( (الروم: 21).

وإلى اللقاء فى العدد القادم إن شاء الله.