شارك المقالة:

الآداب الواجبة على من انتسب للطريق

 لما كانت الآداب إما أن تكون آدابا في عبادات ، أو في معاملات ، أو في تزكية النفوس وتطهيرها ، أو في طريق الدعوة إلى الله وإرشاد عباده بالحكمة والموعظة الحسنة ، أو آداب تعليم العلم وتلقيه ، وغير ذلك من الآداب .

ونود أن نبين الآداب التي ينبغى أن يكون عليها المسلم لأخيه المسلم ، والمتعلم للمعلم ، وآداب الدعوة إلى الله ، وما ينبغى أن يكون عليه العلماء في حال إقامة الحجة لله ، ودفع الشبهة عن سنة رسول الله ، ومحو البدع .

 

الآداب الواجبة على كل مسلم لأخيه :

 معلوم أن الآداب الواجبة لابد وأن تكون أوجبها الله تعالى أو أوجبها رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]، وهى أربع عشرة خصلة هى :

  1.  أن يسلم عليه إذا لقيه .
  2.  ويجيبه إذا دعاه .
  3.  ويشمته إذا عطس .
  4.  ويعوده إذا مرض .
  5.  ويشهد جنازته إذا مات .
  6.  ويبر قسمه إذا أقسم عليه .
  7.  وينصح له إذا استنصحه .
  8.  ويحفظه في غيبته إذا غاب عنه .
  9.  ويحب له ما يحب لنفسه .
  10. ويكره له ما يكره لنفسه .

 وعن أنس قال : قال رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]: ( أرْبَعٌ مِنْ حَق الْمُسْلِمِ ، أن تُعِينَ مُحْسِنَهُمْ ، وَأن تَسْتَغْفَرِ لِمُذْنِبهِمِ ، وَأن تَدْعُو لمُدبِرِهِمْ ، وَأن تُحِبَّ تَائبَهُمْ ) .

فهذه الخصال المذكورة جامعة مختصرة لا عذر لأحد في تركها إلا من عذرته السنة ، وأكمل المؤمنين إيمانا أقومهم بها ، وأسرعهم إليها . وفى الخبر عن رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] : « منْ أعْطِىَ حظَّهُ مِنَ اٌلرَّفْقِ ِفقد أعطِىَ حظَّهُ من خير اٌلدُّنْيا والآخرةِ وَمَن حُرمَ حظَّه مِنَ اٌلرَّفْقِ فقد حُرِم حَظُه مِنَ خَيرِ اٌلدُّنْياَ والآخرةِ » ([1]) .

صحبة للمرشد :

 الأدب عند أهل الطريق هو رعاية الحق جل جلاله ، باستحضار عظمته وكبريائه وعزته . حتى كأن الأديب يراه أو يراقب أنه جل جلاله يراه ، فيحفظ السالك أنفاسه من أن يصرف نفسا منها في غير مراضية ومحابه .

والسالك مهاجر من حسه ونفسه وهواه مسارعة إلى نيل رضا مولاه ، وفار من الدنيا الفانية وزخرفها إلى الدار الآخرة ونعيمها ، ولما كانت دواعى فطر النفس المهملة حاجبة عن الحق ، وكانت وساوس الشيطان الملازمة داعية إلى الهلاك الأكبر والقطيعة عن الخير لزم للسالك رفيق يصطفيه لنفسه ، ويتعين أن يكون أشبه الناس برسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] خلقا وأدباً ، وأعلم الناس بهديه وسنته أدباً ومعاملة.

 وقد بين الله تعالى لنا صفاته [صلى الله عليه وآله وسلم]، في القرآن، قال الله تعالى : (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ) البقرة: ١٥١  فبين لنا سبحانه أن المرشد يجب أن نختاره بعد العلم اليقينى بأنه أقرب الناس شبها)قولا وعملا وحالا) برسول الله ﴿rوآله﴾، وبعد طول البحث والاختبار والتجربة حتى تطمئن القلوب ، ولديها يجب أن نسلم له ونقتدى به ، ونخالف الحظ والهوى مسارعة للإقتداء به.

آداب صحبة المرشد :

 1 – أن نقيمه مقام الوالد الرءوف الرحيم ، ونقوم له بما يقوم به الولد البار الكريم ، وقد أدب الله من اجتباهم في صحبة الأئمة حتى بلغوا أرقى مقامات المحبة والقرب.

 وكلما تفضل الله عليهم بعواطفه عرفانا ، وإحسانه وإقباله ، وفضله علما ، ومننه شهوداً ، قاموا لله شكرا لنعمته عليهم بتعظيم الوسيلة ، وسارعوا لشكر من أجرى الله النعمة لهم على يديه ، فزادهم الله يقينا ، وقربهم لديه زلفى ، حتى بلغوا مقامات الشهداء والصديقين وهم على ما هم عليه من الأدب ، كما قال تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) الأحزاب: ٢٣.

وذلك ما دام المرشد متحدا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنهم صحبوه على بصيرة من أمرهم ، لأنهم أحبوا الحق وأحبوا المرشد للحق ، وما دام على الحق فهو حبيبهم ووالدهم وسيدهم ، وإن خالف الحق خالفوه وهم صفوة الله من عباده .

 

2- أن السالك مهما أكرمه الله تعالى لا يخطر على قلبه أنه أشبه المرشد، أو ساواه ، أو استغنى عنه ، فإن ذلك دليل القطيعة عن الله تعالى ، وإن كان الرجال لا يحظرون على فضل الله تعالى ، ولكن الطريق لا يسلم فيه إلا أهل الأدب ، وفى سوء الأدب عطب ، والعطية من الله تعالى توجب على العبد مزيد الشكر ، ومن كانت العطية له سببا في الكفر أو موجبة للفخر فهى بلية ، أعاذنا الله وإخواننا منها.

وكثير من السالكين يهبهم الله تعالى لسان بيان ويقبل سبحانه بالوجوه عليهم فيظنون لجهالتهم أن هذا هو الوصول ، فيلتفتون عن المرشد فيفتنون ، والله تعالى يقول : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ) القصص: ٧٧. وكل من استعان بنعم الله على معاصيه بطرا وفخرا فهو هالك .

 يقول الإمام أبو العزائم : (وقد صحبنى في بلاد مصر ناس منحهم الله البيان ، وأقبل بالوجوه عليهم ، فمالوا إلى حظوظهم ، فمنهم من التفت ظانا أنه استغنى عن المرشد فتخطفه الشيطان ، ومنهم من استدرجه الله تعالى وطرده من الخير الحقيقى ، فأصبح ذاما بعد المدح ، منكرا بعد التسليم ، فرحا بما يفرح به اليهود ، معتقدا أن المال في الدنيا هو الخير الذى يمن الله به على أولياءه ، ونسى أن رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم عاشوا فقراء، وأنه عجل لأعدائه ما يحبونه استدراجا منه لهم ، ولو علم ما أوقعه فيه الشيطان لأوقع نفسه من شاهق جبل) .

 

وقد صحب رجلٌ الجنيد([2]) رضى الله عنه فنال بصحبته شهرة بين الناس ، فاعتقد مساواته للجنيد وتفوقه عليه فاعتزله ، وكان يشهد مشاهد ظنها معارج ، ولكن الله تداركه بلطفه فتوجه له الجنيد وقال له : ( قل : لا حول ولا قوة إلا بالله) ، فقالها، فتبين أنه على ضلال .

فالسعادة في الطريقة هي الأدب مع المرشد حتى يفارق الدنيا ، وحفظه بعد موته ، فإن سوء الأدب مع المرشد في حياته يدل على أن السالك يحرم من معية رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]، وإنما يفوز بها أهل الأدب مع المرشد .

أسأل الله تعالى أن يرزقنى وإخوانى الأدب لله ولرسوله ، ولكتاب الله وسنة رسوله، فإن مسىء الأدب لم يدخل الطريق ولم يخرج منه، لأنه دخل في حظه فظن الناس أنه في الطريق ، وكشف الله الستر عنه وارتد أمام الخلق إلى حظه ، فهو بعيد أولا وآخرا ، وهو كما قال الله تعالى : (يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً  . مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء) النساء: ١٤٢ - ١٤٣.  ومن وضع قدما واحدا في الطريق لزم أعتاب الرفيق ، والله يتولى الصالحين .

و للحديث بقية ان شاء الله  تعالي

 

(2) كشف الخفاء ومزيل الإلباس للشيخ إبراهيم الأفلونى ج 11 ص 268 .

([2]) هو أبو القاسم الجنيد مولده ومنشأه ببغداد وهو أول من تكلمفي علم التوحيد ببغداد ويعد شخ مذهب التصوف، توفى سنة 297هـ.

كتب مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية : الطريقة العزمية: دراسة حالة

استعرض المقال أهم ملامح تكوين الطريقة العزمية وأنشطتها داخل وخارج مصر. وهي وإن كانت تتبع القواعد العامة للطرق الصوفية من حيث التأصيل الديني والهدف، إلا أنها تتفرد بخصائص خاصة تجعل منها طريقة صوفية متميزة الطابع.