شارك المقالة:

 

في الماضي كان الطلاق غالبا ما يمثل وصمة عار على المرأة المطلَّقة وعلى أسرتها، وكانت تحركات المرأة المطلَّقة محسوبة عليها عند الخروج من بيت أسرتها، وخروجُها كان محدودا وللضرورة فقط، وكانت نسبة الطلاق قليلة، أما في هذا العصر فإن الطلاق بدا وكأنه ظاهرة طبيعية، فلا يخلو حيّ أو منطقة من حالات طلاق أو هدم أسرة.

  فإلى أي مدى سيظل هذا الوضع مستمرا في تدمير الأسر المسلمة؟ ومن هو السبب في الطلاق؟ أهو الزوج أم الزوجة؟ أم أن هناك عوامل خارجية تؤدي إلى ذلك؟ ومن هو المجني عليه؟ وهل من الممكن علاج هذه الظاهرة أم لا؟ وهل من سبيلٍ لتلافي التأثير السلبيّ للطلاق على الأبناء؟.

المرأة المطلقة بين التحدي واليأس

   إن المرأة في مجتمعاتنا يقع عليها العبء الأكبر في ظاهرة الطلاق تلك، فالسبب الأول في معظم حالات الطلاق يرجع إلى المرأة نفسها لعدم معرفتها معنى الحياة الزوجية، ولتقصيرها في القيام بالكثير من مسئولياتها، وقلة إلمامها وفهمها للعديد من واجباتها؛ كاحترامها لزوجها وطاعته والتودد لأهله وحسن معاملتهم، والقناعة والرضا.

   وأمثال تلك المرأة بعد طلاقها تفكر كيف تنتقم من مطلِّقها، فتدخل في مرحلة صراع معلنةً الحرب عليه والتشهير به والإساءة إليه، وتستخدم أبناءهما كأسلحة للانتقام منه وإذلاله، وقد تمنعه من رؤية أبنائه أو تضيِّق عليه مستغلة في ذلك حضانتها لهم، وقد يطرق المطلِّق باب أهلها ليتفاهم معهم بالحسنى ليتمكن من رؤية أبنائه؛ لكن الأهل غالبا ما ينحازون لها وييتبنَّوْن موقفها ويكونون جبهة معها ضد مطلِّقها.

   وقد تفشل المساعي المبذولة لحل تلك المشكلة، مما يضطر المطلِّق إلى اللجوء إلى القضاء للحصول على حقه في رؤية أبنائه ورعايتهم وتمكينه من متابعة حالهم والمشاركة في تربيتهم ولو بالنصح والإرشاد والتوجيه، فيصدر حكم القاضي بأن يرى الأبُ أبناءَه أربعة أيام فى الشهر بواقع ثلاث ساعات في الأسبوع، وتحدد المحكمة مكانا معينا للقاء مما يجعل الأبناء يكرهون هذا المكان؛ كما يكرهون الأبوين أيضا لارتباطهم بهذا المكان، وإذا رآهم الأب مصادفة في مكان آخر فلا يحق له قانونا أن يحتك بهم لا بالحوار ولا حتى بالسلام، فيتحسر الأب على أبنائه، وبذلك تكون المطلقة قد منعته بالقانون من حقوقه كأب لهم، كما يُحرم أبواه وأهله من رؤية أحفادهم، ويُحرم الأولاد من الصلة بذويهم وذوي قرباهم، فتنقطع صلة الأرحام بين هؤلاء جميعا، وذلك مما لا يحبه الله تعالى وصرح في كتابه الكريم أنه من صفات المُعرضين عن كتاب الله وسنة نبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) "محمد:22".  

   ويترتب على ذلك حزن المطلِّق وأهله بسبب خسارة الأبناء، وفي المقابل تعم الفرحة والشماتة عند المطلَّقة وأهلها بانتصارهم ونجاحهم فى إذلال المطلِّق بأبنائه، وهذا أدنى مِن مَنطِق الوحوش في الغابات، لكنه الهوى البغيض، وحب الأثرة والانتقام، والاستهانة بتقوى الله تعالى الذي قال في كتابه الكريم: (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) "النساء:1".

   وبعد ذلك قد يتصاعد الصراع بين الجانبين، وقد يلجأ المطلِّق بمساعدة أهله إلى أساليب كي يذل هو الآخر مطلقته؛ وبنفس السلاح ألا وهو الأبناء، فيلجأ إلى محامِ ماكر يتحايل على القانون - كما صنعت المطلَّقة - فيماطل في دفع نفقة الأطفال، أو يقبض يده في الإنفاق عليهم إلى الحد الأدني أو أقل فيتعرضون جميعا للإذلال والحاجة أو الفاقة، فتلجأ المطلَّقة إلى المحاكم لكي ترد الكيد بالكيد، فيطالبه القاضي بالنفقة، ولكن المطلق يماطل فيها فلا يجد القاضي قانونا يلزم به المطلِّق بدفع النفقة في موعدها المحدد ، فتتحسر المطلقة على ما حلَّ بها من البلاء؛ وتحس بالذل والإهانة والانكسار.

   وقد تضطر إلى البحث عن عمل لتوفير ما يكفيها ويكفي أبناءها، وغالبا لا تجد عملا مناسبا، فتحس بالخيبة ويعلوها الحزن والاكتئاب، وعندها تدرك أنها كانت في عيشة هنيئة، مرتاحة البال في بيت زوجها، لا تشعر بما يعانيه الرجل ليوفر لهم حياة كريمة طيبة، ولكنها بطرت معيشتها، واستهانت ببيتها، وأساءت إلى زوجها وأولادها وأهلها، بل وإلى نفسها، فآل أمرها إلى ما آل إليه.

   وبعد أن يتحقق للرجل إذلال زوجته؛ قد يتزوج بأخرى مما يُنزل بالمطلَّقة ضربة قاضية لأملٍ - قد يكون يراودها - بالرجوع والإصلاح فيما بينها وبينه، عند ذلك تشعر المطلَّقة باليأس والهزيمة، وتشعر بخطئها في حق زوجها ونفسها وأولادها، فتندم في وقت لا ينفع فيه الندم. 

   وتزداد هموم المطلَّقة إذا استحالت عليها أو تضاءلت فرصة الزواج بغيره، فنحن في زمان يعسر فيه زواج فتيات جميلات على خُلق ودِين، فكيف بمطلَّقة أساءت عشرةً، وهدَمت بيتًا، وأضرت نفسَها وغيرَها، وترعى أولادًا، وقد ولَّت - غالبا - زهرة نضارتها، وعزفت النفوس عنها أو انعدمت الرغبة في الزواج بها؟!.  

   وحتى لو وجدت المرأة مَن تغافل عن تلك المحظورات، وتجاوز تلك العقبات؛  فتزوجت ممن اضطرته ظروفُه إلى القبول بها؛ فكيف سيتعامل هذا الزوج الجديد مع أبنائها من زوجها الأول في زمن قد يتضرر فيه البعض من مسئوليتهم عن أبنائهم من أصلابهم؛ ويقصرون في حقهم ويسيئون معاملتهم؟!.

   وقد تزداد حالة المرأة سوءا إذا سمعت أن مطلِّقَها سعيد مع زوجته الجديدة، أو أنه رُزِق بأبناء منها، وأصبح أبناء المطلَّقة بعيدين عن أبيهم، لا صلة بينهم وبينه إلا المال القليل الذي يصلهم كل حين بعسر أو بيسر، بعد أن انشغل الأب بحياته الخاصة وأسرته الجديدة.

   وقد تزداد التعقيدات النفسية فيما بين المطلّقيْن، ويكبر الأبناء الذين استطاعت الأم أن تبذر بذور الجفوة والقطيعة بينهم وبين أبيهم؛ فيرفض الأب مشاركتهم فيما يحتاجون إليه فيه، بل قد يمتنع عن الذهاب معهم للتقدم لخطبة أو عقد قران أو زفاف أحدهم ذكرا كان أو أنثى، كل ذلك من مخلَّفات الحرب اللا أخلاقية التي دارت بين من كانا في يوم من الأيام زوجين يجمعهما سقف واحد، ويأكلان في إناء واحد، ولكن قاتَلَ اللهُ الهَوَى أخا العَمَى.

نصيحة إلى الأخت المطلقة:

  أيتها الأخت المطلَّقة؛ إن سعادتك وسعادة أبنائك هي ثمن صُنعِك ببيت الزوجية، فماذا لو كان هناك مبادرة حسنة بينك وبين مطلِّقِك، عسى أن يفكر في الرجوع إليك مرة أخرى على أسس صحيحة بما لا يخالف الشريعة، أليس ذلك أنفع لك وأجدى وأفضل مما يمكن أن تئول إليه الأمور؟.

   أيتها الأخت المطلَّقة؛ اعلمي أن نشر أسرار الحياة الزوجية بعد الطلاق وسبَّك لمطلقِك والتشنيع عليه والإساءة إليه يجعلك غير جديرة بالزواج بعد ذلك من غيره، لأن كلامك هذا يدل على أنكِ لَسْتِ أهلا أن تكوني زوجة صالحة تصون الأسرار، وتكف لسانها عن ذكر المساوئ، وإذا تقدم إليك رجل آخر للزواج وبلغه ما بدر منك تجاه زوجك الأول فإنه يخشى أن يأتمنك على نفسه، فعليك أن تقولي خيرا من ذلك كأن تقولي: لَمْ يَكتب اللهُ لي معه نصيبا.

   يروى عن أحد الصالحين أنه طلق زوجته فقال لها: اسمعي، وليسمع مَن حضر؛ إني واللهِ اعتمدتُك رغبة، وعاشرتُك بمحبة، ولم أجد منك زلة، ولكن القضاء كان غالبًا، فقالت المرأة: جُزيت من صاحبٍ ومصحوبٍ خيرًا، فما استقللتُ خيرَك، ولا شكوتُ ضيرَك، ولا تمنيتُ غيرَك، ولا أجدُ لك من الرجال شبيهًا، وليس لقضاء الله مدفع، ولا من حكمه علينا ممنع.

   فلا تحسبي أيتها الأخت المطلَّقة أن الطلاق أنهى علاقة الحوار بينك وبين مطلِّقِك، فإن لكما أبناء، وكلاكما عليه التزامات ومسئوليات للآخر لصالح أبنائكما، فعليكما أن تتجاوزا الأحقاد والضغائن والعناد المتبادل بينكما، فالالتفات إلى المشاركة في المسئوليات بدلا من المحاربة النفسية المستمرة أفضل وأوفر بكثير من التفكير في إشعال الحروب المتبادلة بين الطرفين؛ والتي يكون ضحيتها في النهاية الأبناء بسوء التربية؛ والبغض الذى ينمو في قلوبهم لكلا الأبوين حيث يرون أنهما السبب في ما هم فيه.

   أيتها الأخت المطلقة؛ لا تحسبي أن الطلاق جزء من الحرية تفعلين ما تشائين، فإنك بعد طلاقك ستظلين تحت المراقبة الدقيقة من أبويك ومن المجتمع في حركاتك وتصرفاتك ودخولك وخروجك من البيت، وقد تفاجَئِين بجارتك أو صديقتك - وأحيانا أختك - يتحاشينك خوفا منك أن تسرقي منهن أزواجهن!.

   إن الذى قد يدفع الزوجين إلى هذا الأمر الخطير - وهو الطلاق - افتقار كل منهما للعلاقة الرومانسية التي تربط كليهما بالآخر؛ ألا وهو الحب، فلابد من التلفظ بكلمة الحب والود والاحترام من كليكما للآخر، بدلا من لغة العدوانية والشراسة والعنف والحدة في الحوار الذي يؤدى في النهاية إلى عدم التفاهم بينكما، فلابد من إيجاد لغة للحوار لكي تستمر الحياة بينكما، وتعالجا أموركما بالحكمة، وعليكما بضبط النفس وضبط الانفعال، والتعبير عن المشاعر لفظيا وبَدنِيًّا بالكلمة الحلوة الطيبة، والضمة الحانية، ونظرة الإعجاب، واللمسة الرقيقة، والهدية الغير متوقعة، وكلاكما مطالَبان بذلك، وليس أحدكما دون الآخر.

   وعليك أيتها الزوجة أن تعلمي أن عليك العبء الأكبر في التصالح بينك وبين زوجك، لأنك تتمتعين بمهارات خاصة دون الرجل.

نصيحة للزوج:

 أما أنت أيها الزوج؛ فعليك أن تتجمل لزوجتك لكي ترى منك كل ما تتمناه في فارس أحلامها، وأن تتحمل منها ما استطعتَ كي تصلا بأسرتكما إلى بر الأمان، وإن كنتُ قد ركزتُ في هذه المقالة على الزوجة فذلك لأنه حديث ونصيحة موجَّهان إليها، وأخصها بهما، وليس معنى ذلك أنك أيها الزوج معفي من التبعات، أو مبرأ من العيوب والنقائص، بل إنك الممسك بدفة سفينة تلك الحياة الزوجية وربانها، والمأمول منك أن تقوم بدورك وتتقي الله في نفسك وزوجك وولدك، عسى الله أن يخرج منكما الكثير الطيب، ويكون أولادكما صالحين يدعون لكما، بدلا من الدعاء عليكما، نسأل الله تعالى الحفظ والسلامة.

 

السيد أحمد علاء الدين ماضى أبو العزائم