رأى الإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم فى ليلة النصف من شعبان

15/03/2022
شارك المقالة:

ليلة النصف هل هى ليلة إنزال القرآن ؟ 

ليلة النصف هى ليلة إنزاله الأول من أم الكتاب :

وقد فسر بعض العلماء قول الله تعالى : ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ﴾(سورة الدخان آية 3) بأنها ليلة النصف من شعبان وقالوا إن السفرة الكرام استنسخوا القرآن من أم الكتاب فى أربعين يوما ، ابتدءوا فى ليلة النصف من شعبان ، ثم بعد الأربعين يوما نزل إلى سماء الدنيا ثم نزل جبريل عليه السلام على رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ نجوما بحسب الأحداث على ثلاث وعشرين سنة . وكان نزولها إلى سماء الدنيا من أم الكتاب بعد نسخه فى الألواح ليلة القدر بعد مضى الأربعين ليلة ، وبذلك نجمع بين قوله تعالى ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾(سورة القدر آية 1) وبين (﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾.

فإنزاله الأول إنزاله من أم الكتاب لينسخه السفرة الكرام وهو فى ليلة مباركة ، التى هى ليلة النصف من شعبان وإنزاله الثانى إلى سماء الدنيا فى ليلة القدر، كما أخبر الله تعالى .

إنكار ذلك القول والرد عليه :

وقد أنكر بعض العلماء ذلك: فمنكر ليلة النصف من شعبان لم ينكر ما صح عنده من الأخبار عن رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ ولكنه أنكر صحة ما ورد عنه ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ وذلك لا يمنع صحة تلك الأحاديث . فالعلماء منهم من شدد فى تحرى السند قياما بالواجب عليه فلم تصح عنده أحاديث كثيرة ومنهم من سهل .

والذى أراه التوسط ، فما كان من أخبار رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ متعلقا بحكم من أحكام الشريعة فى عقيدة أو فى عبادة واجبة ، أو فى معاملة مفروضة ، أو فى أخلاق فاضلة أو جبها الله تعالى ، فالواجب الأخذ بالأحوط منها وقبول ما ورد بالمراتب الثلاثة فقط ، كمرتبة المتواتر والمشهور والصحيح بمراتبة كالحسن والعزيزة وباقى الأقسام متعلق بنوافل البر وفضائل الأعمال وما يحث على الأخذ بالعزائم ، فذلك ما استحسن العلماء والربانيون فيه الأخذ ، من غير تشديد بسنده توسعه فى الرواية عملا بقوله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ : ( حدثوا عنى بكل خير ، وإن لم أكن قلته فإنى أقول كل خير) رواه عن شيوخه أبو طالب المكى فى كتاب ( قوت القلوب ) أما التشديد والتجريح الذى توسع فيه علماء الحديث فى مثل هذه الأحاديث الشريفة التى تحث على فضائل الأعمال ، ونوافل البر ، والإقبال على عمل الخير ، فذلك ما يوقف عزائم الناس عن المسارعة إلى نيل رضوان الله الأكبر ، كما ورد فى الحديث الصحيح بسند الإمام البخارى رضى الله عنه يقول قال ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ : قال الله تعالى : ( من آذى لى وليا آذنته بالحرب . وما تقرب إلى عبدى بشىء أحب من أداء ما افترضته عليه ، ولا يزال عبدى يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه ).

من هذا الحديث يظهر لنا جليا أن التقرب إلى الله بالنوافل ، بعد تأدية الفرائض من موجبات محبة الله ، وهو الشرف الذى ليس فوقه شرف . وأن القيام بالمأمورات والبعد عن المنهيات قيام بالواجب الذى لا يستحق عليه فاعله نوال محبة الله تعالى . تلك الأحاديث التى تضمنت الحث على تلك الأعمال الفاضلة والقربات الموصلة فى الغالب لأفراد خصوصيين أو فى بعض رجال من أهل الخاصة.

أما الأحاديث التى تتعلق بالأحكام الشرعية ، والحكم العمرانية و الزمنية ، فإن رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ كان يلقيها على المجتمعات التى تضم الوفود وغيرهم ، وكان مقتضى الحكمة المحمدية أن يخاطبهم على قدر عقولهم . وقد كان كان رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ يخص ( علياً ) عليه السلام وأبا بكر رضى الله عنه بل وجميع أهل الصفة بأسرار وعلوم لم يكن يبينها لغيرهم حتى كان الصحابة بعد رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ ينكرون على أبى هريرة فيقولون : أكثر أبو هريرة الكلام عن رسول الله . وكان يتألم لهذا ويقول : مالهم ؟ إنهم شغلتهم أموالهم وزراعتهم وتجارتهم . وأنا كنت مع رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ بملء بطنى ، و والله لولا ايه من كتاب الله ما سمعوا منى كلمة عن رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ وهى قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾(سورة البقرة آية 159) مما تقدم يتضح لنا جليا أن المسارعين إلى القيام بالبر والتقوى ، المقتفين لآثار السلف الصالح ، ينكر عليهم غيرهم ممن سمعوا من علماء الدنيا ، وتربوا على أيديهم وأهلوا أنفسهم ليكونوا عمالا للسلاطين ، وشتان بين من أقبل بقلبه وجسمه على ربه ، وبين من حصل العلم لينتفع به فى دنياه .

قال تعالى : ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾(سورة الكهف آية 28)

 

(((((((( والراى عندى )))))))))

كان أصحاب رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ يجتمعون فى هذه الليلة ويصلون مائة ركعة فى جماعة وكل ركعة يقرؤون سورة (قل هو الله أحد) عشرات مرات ، فيكون مجموعها ألف مرة وكانوا يلتمسون فيها الخير .

وقد سئل الحسن البصرى عن الليلة التى يفرق فيها كل أمر حكيم؟ فروى عن ثلاثين صحابيا أنها ليلة النصف من شعبان . فأهل الله المكاشفون لهم علم بالكشف ، والعلماء أهل العقل لهم علم بالتأويل ، فلما قرأوا سورة القدر , وقرأوا آية (حم) تحققوا بحسب تأويلهم أن الليلة ليلة القدر ، ولكن فاتهم شهود أهل القرب من الله أن ليلة النصف من شعبان لا يقبلها التأويل ، وفاتهم أنه لم يرد حديث ولا خبر متصل بحديث أن سورة ( حم ) هى ليلة القدر ، والرجال لهم صلة بربهم وعلم إلهام يصلهم ، فسورة القدر مزاياها وخصوصيتها ما أخبرنا الله به بقبوله سبحانه : ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ {1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ {2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ {3} تَنَزَّلُ الْمَلأئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ {4} سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾(سورة القدر)

أهل الشهود غير أهل التحصيل :

فأهل الشهود خالفوا فى كثير من الآداء والأحكام أهل التحصيل . وشتان بين من رأى فأخبر عن الله تعالى بالإلهام وبين من حصل من عبد مثله واقف عند الحروف !

ماذا تقول فى قولهم إن هذه الليلة هى ليلة القدر ؟ وماذا تقول فى قولهم إن رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ لم يخبرنا عن ذلك بشى ء ولا عن قيامه فى هذه الليلة ؟ وبمن أخبره عن الله أن الله يغفر فيها بقدر عدد شعر غنم بنى كلب وما ورد عن عائشة رضى الله عنها أنها افتقدت رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم﴾ فى تلك الليلة وخرجت تبحث عنه فوجدته ملقى كالحلس على الأرض يبكى ويضرع فوقفت حوله حتى غمزته فى أصبع رجله خشية عليه أن يكون ميتاً . فلما تحرك أسرعت بالدخول فدخل إليها ووضع يده على صدرها ثم قال لها : يا عائشة ، أخشيت أن يخونك الله ورسوله ؟ أتدرين ما هذه الليلة ؟ هذه ليله نصف شعبان الذى أخبرنا الله تعالى عنها بقوله فيها : ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ٍ﴾ ياعائشة إن الله ليغفر لجميع عباده فى هذه الليلة إلا لمدمن خمر أو عاق لوالديه أو مشاحن أو قاطع رحم أوزان ) :

وورد أن الحسن البصرى سأله سائل :عن الليلة التى يفرق فيها كل أمر حكيم أهى ليلة القدر ؟ قال : رويت عن ثلاثين صحابياً أنا ليلة النصف من شعبان وشهدتهم يجتمعون فيصلون مائة ركعة فى هذه الليلة وفى كل ركعة يقرأ ون سورة ليلة القدر وكان يلتمسون فيها البركة .

أفبعد هذا كله ننكر ؟ لا والله وليس من شهد بمنكر . والعلماء معذورون لأن التأويل عندهم يظهر فى هذه السورة وفى تلك الآية .

===========

من كتاب " مشارق البيان فى فضائل شعبان"

للإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم