شارك المقالة:

 المجتمع الإسلامى منظومة متكاملة ، مكونة من مجموعة من  الأفراد ، إذا صلحوا صلح المجتمع بصلاحهم  وإن فسدوا فسد المجتمع بهم. 

  وهؤلاء الأفراد هم الآباء والأمهات والأبناء ، أما الآباء والأمهات فإنهم كالزرع الذى أخرج شطأه ، فاستوى على سوقه، وكمل ولم يبق إلا حصاده وحفظ بذوره ، فإن كانت البذور جيدة صالحة أنبتت كل حبة سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة ، وإن كانت ضعيفة فاسدة ، استطرقها الفساد حتى لو وضعت فى أخصب أرض ما أنبتت .

أما الأبناء فإنهم النشئ ، وهم مستقبل الأمة فى الحقيقة ، وهم الرجال العاملون بعد ذلك لخيرها ومجدها ، وعلى قدر العناية بهم يكون مستقبل الدين والدنيا ، والسعادة  ونيل الخيرات ، أما إن أهملوا ولم يجدوا التربية الصالحة ، والعناية الكافية ، ضاع كل شيء ، بل وضاعت الأمة ذاتها .

وعلى الآباء الصالحين  أن يختاروا الأمهات الصالحات ، كما ينتقى المزارع الأرض الخصبة لجودة زرعه ، يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( تخيروا لنطفكم) [1] ويقول صلى الله عليه وآله وسلم  : (انظر فى أى نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس)[الديلمى والمتقى الهندى] ويقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( إياكم وخضراء الدمن ، قالوا : وما خضراء الدمن يا رسول الله ؟ قال : المرأة الحسناء فى المنبت السوء)[2]

على أنه إذا  فرض أن رجلا تزوج بامرأة ، وكانت ناقصة الخلق ، فعليه أن يجتهد فى أن يكمل ما نقص من أخلاقها ، حتى تصير زوجة فاضلة تعينه على طاعة الله تعالى ،  وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( خير نسائكم التى إذا نظر إليها الرجل سرته ، وإذا أمرها أطاعته ، وإذا غاب عنها حفظته فى نفسه وماله ) ([3]) .

     وإصلاح المجتمع الإسلامى لايتحقق إلا بالأسرة الصالحة ،فإذا أصلح الأب واختار لأولاده أما صالحة ، كانت تربيتهم لأبنائهما  تقوم على دعائم أربع هى :

- تربية الجسد: وتقوم بتوفير الغذاء والكساء والعناية بالصحة والنظافة ، فقد أثرعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه  قال:  (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل ).

- تربية القلب: بترسيخ الإيمان بالله وحب رسول الله وأهل بيته ، وتعظيم القدوة الحسنة حتى يتمثل الأبناء بهم.

- تربية الروح: بتزكية النفس حتى يتخلق الأبناء بالأخلاق الفاضلة والمعاملة الحسنة.

- تربية العقل: ويأتى ذلك عن طريق الحوار بين الآباء والأبناء، وتشجيع الأبناء على القراءة بصفة عامة ، وتشجيعهم على تلقى  شتى العلوم والمعارف. 

مراعيا فى ذلك أنه لا فرق بين ذكر وأنثى حتى لا يفضل الآباء  أحد أبنائهم  على الآخر ، لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم : ( اعدلوا بين أبنائكم ، اعدلوا بين أبنائكم ، اعدلوا بين أبنائكم). [4]

     وفى البداية يجب على الأبوين تعليم أبنائهما العبادة السليمة ، كما ورد فى السنة النبوية، قال صلى الله عليه وآله وسلم. ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)[5] ، ثم يغرسوا فى قلوبهم الحب للنبى صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته والقرآن الكريم  ،  فقد روى عن  الإمام علىّ عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( أدبوا أولادكم على ثلاث خصال : حب نبيكم وحب أهل بيته وعلى قراءة القرآن، فإن قاريء القرآن فى ظل الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه).[6]

 إن  النشأة السليمة للطفل يبدأها الآبوان من  الطفولة المبكرة ، لأنها أهم مراحل التربية ، حيث يرسخ فيها التعليم ، من سن الثانية إلى السابعة ، قبل الخروج إلى أرض الواقع و ظهور المعوقات والمؤثرات التى تؤثر على الأبناء ، وتعد لذلك هذه المرحلة أخطر المراحل فى التربية على الإطلاق .

والأساس فى ذلك ، أن يلتزم الآباء والأمهات بالأخلاق الفاضلة ،  والمعاملة الحسنة ، لأن الإبن لا يرى فى عينيه أكمل من والديه ، ولهذا لا يجب أن يشاهد منهما إلا كل طيب وحميد ، كالصلاة ، وشكر المحسن وتأديب المسىء، والصدقة ، ومدح أهل الفضائل مدحا  يشوقه إليها ، والتحرز من مدح بعض أهل الرذائل أمامه،  ولا يسب الوالد زوجته أمام ولده ،  حتى لا يسمع من والديه ولا يرى منهما إلا كل ما تنمو به الفضائل ، ويجب أن يحافظا  على الأولاد من صحبة أهل الأخلاق الفاسدة ، سواء كانوا  صغارا أو كبارا ، ومن سماع العبارات القبيحة والألفاظ السمجة ، مع العناية بمراقبة الأولاد فى أوقات الرياضة واللعب ، حتى يبينا لهم مضار اللعب فى الأماكن القذرة ، وأخطار الألعاب المضرة ، مع ملاحظة أن الإبن لا يُشتَم بقبيح الشتائم ، أو يعاقب على بعض هفواته عقوبة شديدة ، فإن ذلك يجعله ينطبع على الرذائل من الكذب، وقلة الحياء ، وارتكاب القبائح .

* مرحلة البلوغ:

     وفيها يبدأ الوالدان بتعريف أبنائهما  بالتغيرات الفسيولوجية التى تطرأ على الجسد فى هذه المرحلة   وكيفية التعامل معها ، وإبداء النصح لهم ، مع التصرف  بحكمة معهم فى هذا الأمر ، لإبعادهم عن كل المؤثرات التي تؤدى الى تحريك الغرائز الكامنة داخل الأبناء ، مثل النظر إلى  المشاهد المخلة  فى بعض الأفلام ، ورؤية الصور الإباحية فى المجلات وغير ها من وسائل الإعلام .

     لقد وضع الله فى الانسان الغريزة الجنسية ، وجعلها أمرا  طبيعيا ، وذلك لتعمير الكون ،  وحفظ النوع البشرى، فإن لم يدركها كل من الأب والأم   لن يقدم أى منهما على الزواج ، ومن هنا كان الإهتمام الخاص بمرحلة البلوغ ، لضبط تلك المرحلة بالطوابط الشرعية ،  حتى لا ينشأ عنها مشاكل تضر ضررا بليغا بالأسرة المسلمة والمجتمع المسلم .

     وبعد ذلك نتناول مرحلة الاختيار لكل من الزوجين  "إن شاء الله تعالى".

السيد أحمد علاء الدين ماضى أبو العزائم

 نائب عام الطريقة العزمية   

 


[1]  رواه ابن ماجة فى سننه 

[2] رواه الدار قطنى عن أبى سعيد الخدرى .

[3] أخرج النسائى عن أبى هريرة نحوه بسند صحيح ، وقال : " ولا تخالفه فى نفسها ولا مالها " وعند أحمد : "فى نفسها ومالها " ولأبى داود نحوه عن ابن عباس بسند صحيح ، وقد رواه الغزالى فى الإحياء ج 2 ص39 .

[4] رواه أحمد وأبو داوود والنسائى بإسناد صحيح.

[5]  رواه الحاكم وأبو داود.

[6]أورده السيوطي في الجامع الصغير ص .25

 

حكمة الصوم عند الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم

الصيام عمل يكسب الصائم رحمة وعزة واستجابة للدعاء، وبذلك يسعد المجتمع وتتحد الكلمة وتصبح الأمة كالأسرة يكون رئيسها والدا عطوفا رحيما واثقا ببنيه وتكون الأمة أبناء بررة واثقين بوالدهم وتلك النتائج مقدماتها القيام بأحكام الشرع الحنيف.