السابق إلى التصديق ، الملقب بالعتيق ، المؤيد من الله بالتوفيق .. صاحب النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - فى الحضر والأسفار ، ورفيقه الشفيق فى جميع الأطوار ، وضجيعه بعد الانتقال فى الروضة المحفوفة بالأنوار ، المخصوص فى الذكر الحكيم بمفخر فاق به كافة الأخيار ، وعامة الأبرار ، وبقى له شرفه على كرور الأعصار ، ولم يسم إلى ذروته همم أولى الأيدى والأبصار ، حيث يقول عالم الأسرار : (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ) إلى غير ذلك من الآيات والآثار ، ومشهور النصوص الواردة فيه والأخبار التى غدت كالشمس فى الانتشار .. وفضل كل من فاضل ، وفاق كل من جادل وناضل ، ونزل فيه : (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ)( الحديد : 10 ) .. توحد الصديق فى الأحوال بالتحقيق ، واختار الاختيار من الله دعاه إلى الطريق .. فتجرد من الأموال والأعراض ، وانتصب فى قيام التوحيد للتهدف والأغراض .. صار للمحن هدفاً ، وللبلاء غرضاً ، وزهد فيماً عز له جوهراً كان أو عرضاً .. تفرد بالحق ، عن الالتفاف إلى الخلق .
نسبه ولقبه :
هو عبد الله بن عثمان بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب ابن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة . وينسب " أبو بكر " إلى تيم قريش ، فيقال : التيمى ، ويلتقى فى النسب مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عند مرة بن كعب وبين كل منهما وبين "مرة " ستة آباء .
وكان اسمه فى الجاهلية عبد الكعبة فسماه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عبد الله، وسمى بالعتيق ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال له : (أنت عتيق من النار) "أخرجه الترمذى " وقيل : سمى بالعتيق لجمال وجهه " قاله الليث بن سعد وأحمد بن حنبل وابن معين وغيرهم" .
وأما الصديق فقيل : كان يلقب به فى الجاهلية، لما عرف منه الصدق . "ذكره ابن مسدى". وقيل: لمبادرته إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما كان يخبره به . قال ابن إسحق عن الحسن البصرى وقتادة : "وأول ما اشتهر به صبيحة الإسراء" ، وأخرج البيهقى وأبو نعيم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - هو الذى سماه صديقاً ، وكان سيدنا على بن أبى طالب كرم اللع وجهه يحلف بالله أن الله أنزل اسم أبى بكر من السماء " الصديق" ( أخرجه الطبرانى ورجاله ثقات) .
والده: أبو قحافة عثمان بن عمرو بن كعب ، أسلم يوم فتح مكة وأتى أبو بكر به إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فقال النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - : " ألا أقررتم الشيخ فى بيته حتى كنا نأتيه - نكرمه لأبى بكر- وأمرهم أن يغيروا شيبه ، وبايعه ، وأتى المدينة ، وبقى حتى توفى فى خلافة سيدنا عمر – رضى الله عنه - عن سبع وتسعين سنة . وتوفى أبو بكر قبله ، وورثه أبو قحافة السدس ، فرده على ولد أبى بكر.
وولد أبو قحافة: أبا بكر ، وأم فروة، وقريبة . فأما أم فروة فتزوجها رجل من الأزد فولدت له جارية ، ثم تزوجها تميم الدارى ، ثم تزوجها الأشعث بن قيس كما قدمناه عند ذكر الوفود ، وأما قريبة فكانت عند سعد بن قيس بن عبادة .
ووالدة أبى بكر : سلمى بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ، وهى بنت عم أبى قحافة وتكنى "أم الخير" ، أسلمت قديما حيث كان المسلمون فى دار الأرقم
مولده ومنشأه :
كان مولد أبى بكر الصديق - رضى الله عنه - بعد مولد النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - بسنتين وأربعة أشهر وأيام ، وتوفى وله ثلاث وستون سنة ، وكان منشؤه بمكة لا يخرج منها إلا للتجارة ، وكان ذا مال جزيل فى قومه ، ومروءة تامة ، وإحسان ، وتفضل فيهم .
الصوم عبادة وشفاء وتزكية
الصوم عبادة من حيث أنه فرض فرضه الله، وشفاء من حيث أنه يرد للنفس صحتها، وتزكية من حيث أنه جلاء للنفس من التطرف عن الحالة الوسطى التى هى الفضيلة