رؤية الإمام السيد عز الدين ماضى أبو العزائم فى واجباتِ الهيئاتِ الإسلامية

31/07/2023
شارك المقالة:

"الدعوة الإسلامية لا تقتصر على طائفة دون الأخرى، وفريق دون فريق، فالأمة الإسلامية في أمسِّ الحاجة اليوم إلى جهود تبذلها كافة الطوائف وعموم الطبقات، بغضّ النظر عن سُنِّيِّها أو شِيعِيِّها، وحنبليِّها وشافعيِّها ومالكيِّها وحنفيِّها، وسلفيِّها وصوفيِّها".  

  تلك من مقولات الإمام السيد عز الدين ماضي أبي العزائم رضي الله عنه ضمن مقالة له في العدد الثاني من مجلة: "الإسلام وطن"، ثم بيَّن بعد ذلك أن من أعظم الواجبات على عاتق الهيئات الإسلامية التي تدعو إلى الطريق إلى الله تعالى هو: إخلاص النوايا والبعد عما يؤدي إلى الفرقة في صفوف المسلمين، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يمثل المنتسبون إلى تلك الهيئات صورا للقدوة الحسنة، ونعرض بعون الله وتوفيقه لبيان بعض ذلك فيما يلي:

1- إخلاص النوايا والبعد عما يؤدي إلى الفرقة في صفوف المسلمين:

   ذَكَر رضي الله عنه أن من الواجب على الهيئات الإسلامية إخلاص النية، وأن تنزه أساليبها في دعوتها عن كل ما يورث الوهن والفشل، ويؤدي إلى الفرقة في صفوف المسلمين، وأن تتقي الله فيما تقول، ولا تكتم الحقائق ولا تنشر الأباطيل.

   ونقول: إن من أمثلة الأباطيل التي يرددها البعض أنهم يتهمون المتكلمين في فضائل أهل البيت النبوي بالمغالاة في أهل البيت وبأنهم يغمطون الخلفاء الراشدين حقهم وينتقصونهم، وهذا في الحقيقة من الأباطيل، فليس معنى أنك تمدح أحدا أنك تذم غيره أو تنتقصه، وعلي سبيل المثال فنحن نتكلم عن أهل البيت ونتكلم عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ونحب أهل البيت والصحابة، ولكن لكل مقام مقال، وكما يقولون لكل حادث حديث، ومن الأباطيل أن يتطاول البعض فيعتبرون أن الذي يتكلم مثلا عن فضائل الخليفة أبي بكر رضي الله عنه سنِّيّ، وأن الذي يتكلم عن فضائل الإمام عليّ كرم الله وجهه شيعيّ، وافتعال أمثال تلك الأباطيل يفرق بين الأمة في وقت هي أحوج إلى التوحد في وجه العدو الخارجي.

   لقد كان الصحابة يعظمون أهل البيت ويحبونهم، وكان أهل البيت يحبون الصحابة ويعرفون قدرهم، وينزل كل منهم الآخر منزلته، كانوا كذلك رضي الله عنهم أجمعين.

   أما بالنسبة لما يجب علينا في هذا الشأن فقد بينه الإمام أبو العزائم في كتابه: "أصول الوصول" وكتابه: "معارج المقربين" أن من عقود القلب التي هي السنة المجمع عليها أن يعتقد العبد تفضيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته رضى الله عنهم ورضوا عنه كافة، ويسكت عما شجر بينهم، وينشر محاسنهم وفضائلهم، لتأتلف القلوب بذلك، ونسلم لكل واحد منهم ما فعله، لأنهم أوفر وأعلى عقولاً منا، فقد عمل كل واحد بعلمه ومنتهى عقله فيما أدى إليه اجتهاده، والله تعالى جعل الخلفاء الأربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعليّا رضي الله عنهم خلفاء النبوة بما قدَّر اللهُ من أعمارهم، فلم يكن يتم ذلك إلا بترتيبهم على ما رُتبوا فى الخلافة، فكان آخرهم استخلافاً هو آخرهم مفارقة لتلك الدنيا، فدبَّر اللهُ خلافتَهم على ما علم من آجالهم.

 

2- الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة:

    كما يجب أن تنهج تلك الهيئات أسلوب الأنبياء عليهم السلام في المناقشة والجدال والدعوة إلى الحق على ضوء ما أدبنا الله به في كتابه العزيز حيث قال عز اسمه: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) "النحل:125"، فالتزام أسلوب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة واجب، فإذا خالف الداعي ذلك انفض الناس عن الحق وتركوه، قال تعالى مخاطبا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) "آل عمران:159"، فيجب تنزيه الألسنة عن أساليب الشتم والسب والفحش والافتراء، فلا يجوز الحكم بضلالة أحد أو تفسيقه أو اتهامه بالشرك والكفر لمخالفته في أمر اجتهادي ليس من ضروريات الدين، وفيما يلي بعض النماذج من حكمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في أسلوب مخاطبة مَن يَدْعُونهم ومقابلة السيئة بالحسنة:

   قال تعالى خبرا عن نوح عليه السلام: (قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) "الأعراف60-62".

   وقال سبحانه خبرا عن هود عليه السلام: (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) "الأعراف:66-68".

   وقال الله تعالى آمرا موسى وهارون عليهما السلام: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) "طه:43-44".

   وقال سبحانه آمرا خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم: (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) "الأنعام:56-57".

3- الداعي إلى الله يجب أن يكون صورة للقدوة الحسنة:

   كما يدعو السيد عز الدين رضي الله عنه أن يكون الداعي إلى الله تعالى متحليا باللين واللطف المستند على العلم والمعرفة، وحمل أقوال المسلمين وأفعالهم على المحامل الصحيحة ما أمكن، والاجتناب عن المزاعم والظنون الباطلة ومتابعة الهوى والعصبية الممقوتة وصدق الله العظيم حيث يقول: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) "الإسراء:36"، يقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه: "إخواني؛ اتقوا اللهَ في عبادِه، وعليكم أنفسَكم، فاجْلُوا مرآةَ قلوبكم بعمل القلوب، واشتغِلوا بذنوبكم فإنكم محاسَبون عليها لا على ذنوب غيركم، وارحموا عبادَ الله تعالى، ذكِّروهم بالحسنى، عِظُوهم باللين، أعينوهم بفضل أموالكم وجميل كلامكم, وأحِبٌّوا لهم ما أحببتم لأنفسكم".

   مثال من كتاب الله تعالى:  

   في القرآن الكريم خبر الله تعالى عن سيدنا شعيب عليه السلام حيث يقول سبحانه: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) "هود:88".

   وقد بين العلماء أن لهذه الأجوبة على هذا النسق شأن، وهو التنبيه على أن العاقل يجب أن يراعي في كل ما يأتيه ويذره أحد حقوق ثلاثة:

   1- أهمها وأعلاها حق الله تعالى كما في قوله: (عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي) أي: على بصيرة فيما أدعو إليه، وهكذا الداعي يجب أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه، قال سبحانه: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي) "يوسف:108".

   2- حق النفس كما في قوله: (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) إشارة إلى ما آتاه من المال الحلال، فيجب على الداعي أن يحرص أن يكون ماله حلالا طيبا، وأن ينتهي عما ينهى الناس عنه كما في قوله: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) أي: لا أنهاكم عن الشيء وأخالف أنا في السر فأفعله خفية عنكم.

   3- حق الناس وهو نصحهم من غير طمع ولا حظّ كما في قوله: (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ) أي: فيما آمركم وأنهاكم إنما أريد إصلاحكم جهدي وطاقتي، وهكذا إرادة الدعاة يجب أن تكون هي: الإصلاح لا غير.

   ثم الإقرار بأن التوفيق في إصابة الحق بالله وحده كما في قوله: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) وفيها بيان توحيد الله تعالى والتوكل عليه والإنابة إليه سبحانه، فإذا تجمل الداعي بتلك الجمالات كان صورة من صور القدوة الحسنة.

  حُسَينيٌّ في نسبه وفي منهجه: 

   كان السيد عز الدين رضي الله عنه حُسَينيًّا في نسبه، وحُسَينيًّا في منهجه، وكأني به يقول مقولة الإمام الحسين عليه السلام: "موتٌ في عزٍّ خيرٌ من حياةٍ في ذُل" فقد ترجم السيد عز الدين عن تلك المقولة بقوله: "قُلْها ومُت" أي: قل كلمة الحق ومُت في سبيلها، فالحق أغلى من كل شيء.  

   وكان يركز على بيان أن الإمام أبا العزائم ليس شيخا لطريقة صوفية، بل هو الإمام المجدِّد لزماننا، يقر المنهج الصوفي الحقيقي المبنيِّ على الكتاب الكريم والهدي النبوي الشريف، وكان يعارض ما عليه بعض المنتسبين إلى التصوف في حاضرنا والذين جلبوا بأفعالهم ذم التصوف وأهله، وكان يسميهم: المتمصوفة، وأذكر يوما أنه حكى عن واحد من المدعين الولاية كان يجلس في أحد المساجد وأُذِّن للصلاة فلم يتهيأ لها ولم يُصّلِّ مع الناس صلاة الجماعة، فسأل: لِم لَم يقم هذا للصلاة مع الناس؟ فقيل له: هو يصلى في الكعبة!!، فوعظَه ونهَرَه، وأظهر على الملأ كذبه وخداعه.

   وكان حريصا على بيان أن منهج الطريقة العزمية منهج إصلاحيّ، يدعو إلى إصلاح الأمة علي أي يد وبأي لسان دون تعصب لأحد، يقول الإمام المجدِّد: "يا أولادي، من رأى منكم من هو أعلم مني فليتركني إليه، وليأخذ بيدي لكي أبايعه، وليستغفر لي الله أنني حجبته عنه".

   والطريقة العزمية ما زالت قائمة على ثغرها، غايتها هي: عودة المجد الذي فقده المسلمون، ولقد سمعت من السيد علاء الدين ماضي أبي العزائم بعد توليه مشيخة الطريقة العزمية قوله: ليس اهتمامي بالطريقة العزمية، ولكن اهتمامي بالأمة الإسلامية.

   ومن هذا المنطلق فإننا نسعى إلى رأب الصدع بين الشيعة والسنة لتتوحد الأمة في مواجهة العدو الخارجي المشترك، فالفتنة بين الشيعة والسنة مشروع إسرائيلي، ومن دلالة ذلك أن شاؤول موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي السابق - والمؤهل أن يكون رئيسا لحزب كاديما وأن يكون مستقبلا رئيسا لوزراء إسرائيل - يخاطب العرب والمسلمين في محاضرة له، ويدعو العرب والمسلمين إلى تحالف بين إسرائيل والسنة المعتدلين في مواجهة الخطر الشيعي والذي يسميه الوباء الشيعي، وأن الشيعة يهددون تواجد السنة في المنطقة ويهددون إسرائيل، فيجب أن تتحالف السنة مع إسرائيل في مواجهة الشيعة!!!.                                    

   إجرام وتبجح من أحد قادة الكيان الصهيوني، مع أن الذين عانوا من إسرائيل منذ إنشائها وإلى اليوم هم من أهل السنة، فالذين احتل اليهود أرضهم في فلسطين هم من أهل السنة، واللاجئين الذين طُردوا من أراضيهم هم من أهل السنة، والذين اعتدت عليهم إسرائيل في حروبها ضد مصر وسوريا والأردن والضفة والقطاع هم من أهل السنة، والأسرى في السجون الإسرائيلية هم من أهل السنة، والذين يحاصرونهم في غزة هم من أهل السنة، والذين قتلتهم إسرائيل في قافلة الحرية الذين ترفض إسرائيل حتى الآن مجرد الاعتذار لتركيا عن قتلهم أو دفع تعويضات لأهليهم هم من أهل السنة، ومع ذلك تصل الوقاحة بموفاز إلى أن يدعو إلى تحالف بين إسرائيل والسُّنة، وللأسف فإن خوارج زماننا الذين ينتسبون إلى السُّنة زورا وبهتانا يدعون أيضا بدعوة إسرائيل إلى صراع بين المسلمين الشيعة والسُّنة، فلمن ينتمي هؤلاء؟!.

    فلننتبه لخبث ما يروج له أعداؤنا، ولا يجوز لهيئة من الهيئات الإسلامية، ولا لمسلم أيا كان شيعيا أو سنيًّا - عن قصد أو غير قصد - أن يشارك أعداءنا في تقطيع أوصال الأمة الإسلامية، والمسلمون جميعا مطالَبون بالجمع بين العمل بالكتاب والسنة، والمودة لأهل البيت عملا بقول الله تعالى: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) "الشورى:23"، لتتحقق وحدة الأمة وننتصر على أعدائنا.

    جزي اللهُ تعالى صاحبَ الذكرى عنا خيرَ الجزاء، وأقامنا جميعا فيما يحب ويرضى، وجعلنا في الدنيا والآخرة في معية الأحبة، سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وحزبه، اللهم صلِّ على سيدِنا محمد وآله وسلِّم، وأعطنا الخير، وادفع عنا الشر، ونجنا واشفنا يا رب العالمين.